المَبحَثُ الخامِسُ: أبرَزُ الأفكارِ والمُعتَقَداتِ في الطَّريقةِ النَّقشَبَنْديَّةِ
إنَّ من أبرَزِ ما لدى الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ -ومنها النَّقشَبَنْديَّةُ- مِن خَلَلٍ في المُعتَقَداتِ سَبَبُه هذا الغُلوُّ في شَأنِ الصَّالحينَ، فبالغوا في تَعظيمِهم حتَّى مَنَحوهم شَيئًا من أوصافِ الرُّبوبيَّةِ وأفعالِها، وجَعَلوا لهم حَقًّا في العُبوديَّةِ، فأشرَكوا باللهِ تعالى وتَوسَّلوا بهم وتَوجَّهوا نَحوَ قُبورِهم واستَغاثوا بهم، وبالغوا في مَدحِهم والثَّناءِ عليهم، واستِحضارِ صُوَرِهم في أذهانِهم، واتَّبَعوهم في طُقوسِهمُ المُختَرَعةِ وأورادِهمُ المُبتَدَعةِ.
ومن شِعرِهم في الاستِغاثةِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:وأنتَ غياثُ كُلِّ الخَلقِ طُرًّا
وجاهُك ذلك الجاهُ الكَبيرُ
إذا عَطَف النَّبيُّ فكُلُّ أمرٍ
عَسيرٍ من عَواطِفِه يَسيرُ
بَسَطتُ يَديَّ مُفتَقِرًا إليه
وقَلبي بالإجابةِ لي قَريرُ
فحاشا أن يَرُدَّ يَديَّ صِفرًا
ومن أخلاقِه الجودُ الغَزيرُ
[1175] ((الحدائق الوردية)) للخاني (ص: 20 – 22). .
ومِن شِعرِهم أيضًا:ما مَدَّ لخَيرِ الخَلقِ يدًا
أحَدٌ إلَّا وبه سعِدَا
فلذاك مددتُ إليه يدي
وبذلك كُنتُ منَ السُّعَدا
بابٌ للَّهِ سما وعلا
شَرَفًا وامتازَ بكُلِّ عُلا
والكُلُّ بدَعوتِه اتَّصلا
باللهِ وحاز به المدَدا
إنِّي في العُسرِ وفي اليُسرِ
بحِماه ألوذُ مَدى العُمرِ
وأقولُ أغِثني يا ذُخري
أنِلْني من كَفَّيك نَدى
[1176] يُنظر: ((أوراد الذاكرين)) للحبش (ص: 36، 62). .
وللكوثريِّ النَّقشَبَنْديِّ كِتابٌ سَمَّاه: (إرغام المُريدِ في شَرحِ النَّظمِ العَتيدِ لتَوسُّلِ المُريدِ برِجالِ الطَّريقةِ النَّقشَبَنْديَّةِ)، وممَّا جاءَ فيه: (لا بُدَّ لأهلِ السُّلوكِ والرَّشادِ منَ التَّوسُّلِ والاستِعانةِ والاستِمدادِ بأرواحِ الأجِلَّةِ، والسَّادةِ الأمجادِ؛ إذ همُ المالكونَ لأزمَّةِ الأمورِ في نَيلِ ذلك المُرادِ. هذا مَبنيٌّ على القَولِ بجَوازِ التَّوسُّلِ بالأشخاصِ كجَوازِه بالأعمالِ، وقد ورَدَ:
((توسَّلوا بجاهي؛ فإنَّ جاهي عِندَ اللهِ عَظيمٌ)) [1177] لم نقِفْ عليه فيما لدينا من كُتُبٍ مُسنَدةٍ قال ابنُ تيميَّةَ في ((الرد على البكري)) (130): باطِلٌ، لم يَرَوه أحَدٌ من أهلِ العِلمِ، ولا هو في شَيءٍ من كُتُبِ الحَديثِ، وقال ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (26/222): كَذِبٌ، وقال الألباني في ((التوسل)) (115): باطلٌ لا أصلَ له. وصَحَّ تَوسُّلُ عُمَرَ بالعَبَّاسِ في استسقائِه، على ما سيجيء
[1178] أخرجه البخاري (1010) بلفظ: عن أنَسٍ (أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه كان إذا قَحَطوا استَسقى بالعَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ، فقال: اللَّهمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوسَّلُ إليك بنَبيِّنا فتَسقينا، وإنَّا نَتَوسَّلُ إليك بعَمِّ نَبيِّنا فاسقِنا. قال: فيُسقَونَ). وليس في الحَديثِ التَّوسُّلُ بجاهِ النَّبيِّ أوِ العَبَّاسِ، بل المُرادُ منه التَّوسُّلُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ بدُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ، وثَبَتَ تَوسُّلُ الإمامِ زَينِ العابدينَ برجالِ الغَيبِ على ما لا يَخفى على المُتَتَبِّعِ، هذا ما ذَهَبَ إليه محقِّقو العُلماءِ. وجُمهورُ المُتَصَوِّفةِ. إلَّا أنَّ ابنَ تيميَّةَ ومَن حَذا حَذوَه مِمَّن دَيدَنهمُ الخِلافُ أنكَروا زيارةَ القُبورِ فضلًا عنِ التَّوسُّلِ بأرواحِ الأمواتِ حتَّى اجتَرَؤوا على المَنعِ من زيارةِ الرَّوضةِ المُطَهَّرةِ، بل عنِ التَّوسُّلِ بالنَّبيِّ عليه أكمَلُ التَّحيَّاتِ، وألَّف في ذلك كِتابًا، فأفتى العُلماءُ بحَبسِه... والحاصِلُ أنَّ التَّصَرُّفَ المَعنَويَّ الذي أُثبِتَ للأولياءِ في الحَياةِ ثابتٌ لهم بَعدَ المَماتِ؛ إذ هو أمرٌ رُوحانيٌّ لا يَعتَريه الفواتُ، فتلخَّص ممَّا ذَكَرْنا لُزومُ التَّوسُّلِ بالسَّاداتِ في تَحليةِ النَّفسِ بالكَمالاتِ؛ فلذا تَرى القَومَ يَأمُرونَ المُريدينَ بالتَّوسُّلِ بالسَّادةِ المُتَّقينَ)
[1179] ((إرغام المريد)) (ص: 5، 6). .
وللقَبرِ شَأنٌ عَظيمٌ عِندَ الصُّوفيَّةِ عُمومًا، فهو الوسيلةُ إلى اللهِ تعالى بزَعمِهم، وهو مَوطِنُ البَرَكاتِ ومَوضِعُ قَضاءِ الحاجاتِ، والمُتَوجَّهُ إليه في الدَّعَواتِ عِندَهم.
وقد صَرَّحوا بأنَّ المَقصودَ من زيارةِ قُبورِ الأنبياءِ والأولياءِ هو: (الزِّيارةُ والاستِمدادُ وسُؤالُ المَغفِرةِ، وقَضاءُ الحَوائِجِ من أرواحِ الأنبياءِ والأئِمَّةِ عليهمُ السَّلامُ، والعِبارةُ عن هذا الإمدادِ بالشَّفاعةِ)
[1180] ((نور الهداية والعرفان)) لصاحب زاده (ص: 38). .
وذَكَرَ الكُرديُّ أنَّ أحَدَ المَشايِخِ قال: إنَّ اللهَ يوكِلُ بقَبرِ الوليِّ مَلَكًا يَقضي الحَوائِجَ، وتارةً يَخرُجُ الوليُّ من قَبرِه ويَقضيها بنَفسِه
[1181] ((تنوير القلوب)) (ص: 410). !
ويَقتَرِحُ الكُرديُّ على زائِرِ قُبورِ الأولياءِ الآدابَ التَّاليةَ:
أن يُسَلِّمَ أوَّلًا على الوليِّ المَقبورِ، ثمَّ يَقِفَ مُستَقبِلًا القَبرَ، مُستَدبِرًا القِبلةَ، ثمَّ يَقرَأَ الفاتِحةَ مَرَّةً واحِدةً وسورةَ الإخلاصِ إحدى عَشرةَ مَرَّةً وآيةَ الكُرسيِّ مَرَّةً، ويهبَ ثَوابَها إليه، ثمَّ يَجلسَ عِندَه ويُجَرِّدَ نَفسَه عن كُلِّ شَيءٍ حتَّى يَصيرَ لوحًا، ثمَّ يَتَصَوَّرَ رُوحانيَّتَه نورًا مُجَرَّدًا ويَحفظَ ذلك النُّورَ في قَلبِه حتَّى يَحصُلَ له فيضٌ من فيوضاتِه. ويَستَعينُ على ذلك بالاستِمدادِ من روحانيَّةِ شَيخِه أوَّلًا وجَعلِها واسِطةً بَينَها وبَينَ المَزورِ
[1182] ((تنوير القلوب)) (ص: 534). ويُنظر: ((السعادة الأبدية)) لعبد المجيد الخاني (ص: 27)، ((البهجة السنية)) لمحمد الخاني (ص: 43، 44). .
وقد أورَدَ بَعضُ النَّقشَبَنْديَّةِ في كُتُبِهم ما يَدُلُّ صَراحةً على الغُلوِّ الشَّديدِ في شَأنِ الأولياءِ، حتَّى أذهَبوا عنهم عَوارِضَ البَشَريَّةِ من تَغَيُّرٍ ونَحوِه، بل نَسَبوا إليهم فوقَ ذلك القُدرةَ المُطلَقةَ والعِلمَ بالغَيبِ إلى غَيرِ ذلك من أمورٍ اختَصَّ بها اللهُ تعالى دونَ خَلقِه. وقد تَوسَّعَ الكُمُشْخَانَويُّ النَّقشَبَنْديُّ في بَيانِ ذلك وبالغَ حتَّى جَعَل لهم صِفاتِ الرُّبوبيَّةِ. فقال ما نَصُّه: (وأمَّا أنواعُ الأولياءِ والمُتَصَرِّفينَ: منها قُطبُ الأقطابِ، وقُطبُ الإرشادِ، وقُطبُ البلادِ، وقُطبُ المُتَصَرِّفينَ. وهمُ الكَلِماتُ الجامِعةُ الإلهيَّةُ، وقدرتُهمُ القُدرةُ الذَّاتيَّةُ... وهم أقطابُ العالمِ، وهؤلاء الأوتادُ نوَّابُهم: لا مَوتٌ ولا عارِضٌ، ولا صَعقٌ ولا تَغَيُّرٌ لهم)
[1183] ((جامع الأصول في الأولياء)) (ص: 131). . وتابع قائلًا: (ومنهمُ الاثنا عَشَرَ نَقيبًا، وهم مُطَّلعونَ على تَأثيراتِ الكَواكِبِ التي تَنزِلُ على البُروجِ، ومنهمُ النُّجَباءُ، وهم ثَمانيةٌ عَدَدَ السَّماواتِ مَعَ الكُرسيِّ، وهم واقِفونَ على أحوالِ النُّجومِ ومُطَّلِعونَ على أسرارِ النُّجومِ والكُرسيِّ والعَرشِ. ومنهم: ثَلاثُمِائةِ رَجُلٍ منَ الأولياءِ على قَلبِ آدَمَ. ومنهم أربَعونَ على قَلبِ نوحٍ. ومنهم سَبعةٌ غَيرُ الأبدالِ السَّبعةِ على قَلبِ إبراهيمَ. ومنهم خَمسةٌ على قَلبِ جِبريلَ. ومنهم ثَلاثةٌ على قَلبِ ميكائيلَ. ومنهم واحِدٌ على قَلبِ إسرافيلَ. وعِلمُه عِلمُ إسرافيلَ جامِعٌ للقَبضِ والبَسطِ، وعلى هذا المَشرَبِ أبو يَزيدَ البِسطاميُّ. ومنهم ثَمانيةَ عَشَرَ قائِمونَ بحُقوقِ اللهِ وظاهرونَ بأمرِه ويَحكُمونَ بما أرادَ اللهُ. ومنهم خَمسةَ عَشَرَ رَجُلًا وهمُ المُسَمَّونَ رِجالَ الحَنانِ والعَطفِ الإلهيِّ. ومنهم أربَعةٌ يُسَمَّونَ رِجالَ الهَيبةِ والجَلالِ وهم يُمدُّونَ بالأوتادِ الأربَعةِ: قالَبُهم روحانيٌّ، وقَلبُهم سَماويٌّ، مَعروفونَ في السَّماءِ مَجهولونَ في الأرضِ، وعِلُمهم ممَّا لا يَتَناهى. ومنهم رِجالُ الاشتياقِ وهم خَمسةٌ. ومنهم رِجالُ الأيَّامِ السِّتُّ).
وقد نَسَبوا إلى الأولياءِ قُدرةَ الخالقيَّةِ، فقال الهَرَويُّ النَّقشَبَنْديُّ: (قال حَضرةُ شَيخِنا: قد أعطيَ بَعضُ العارِفينَ قُدرةً على كُلِّ ما أرادوا خَلقَه)
[1184] ((رشحات عين الحياة)) (ص: 133). !
وذَكَرَ أنَّ لهم نَظَرًا آخَرَ وراءَ القوَّةِ المُبصِرةِ يَرَونَ به الأشياءَ في ليلةٍ مُظلمةٍ من مَواضِعَ بَعيدةٍ ولا يَكونُ البُعدُ المَكانيُّ مانِعًا عن هذا النَّظَرِ
[1185] يُنظر: ((رشحات عين الحياة)) للهروي (ص: 144). !
وأثبَتوا لمَشايِخِهم أنَّهم فعَّالون لِما يُريدونَ، فقالوا: كما أنَّ مُعارَضةَ القُرآنِ غَيرُ مُمكِنةٍ فكذلك مُعارَضةُ الأولياءِ أصحابِ الهمَّةِ؛ فإنَّ همَّةَ العارِفِ فعَّالةٌ لا يَتَخَلَّفُ المُرادُ عنها، فمَن عارَضَ تلك الهمَّةَ يَصيرُ مَغلوبًا لا مَحالةَ. وضَرَبَ الهَرَويُّ النَّقشَبَنْديُّ مِثالًا على ذلك، فحَكى أنَّ سَعدَ الدِّينِ الكاشغريَّ وغَيرَه كانوا يَمتَحِنونَ قوَّةَ همَّتِهم، فيَذهَبونَ إلى أمكِنةِ المُتَصارِعينَ فيَتَوجَّهونَ بهمَّتِهم إلى أحَدِ المُتَصارِعينَ وهو ضَعيفٌ، فيَتَغَلَّبُ على خَصمِه وإن كان أقوى منه، وأنَّ قوَّتَهم لا يَقِفُ في وَجهِها ولا حتَّى مِائةُ ألفِ رَجُلٍ
[1186] يُنظر: ((رشحات عين الحياة)) (ص: 216، 217، 220، 221). !
ولمَزيدِ تَخويفِ العامَّةِ منَ الاعتِراضِ فقد حَكَوا أنَّ أحَدَ أولياءِ النَّقشَبَنْديِّينَ اعتَرَضَ عليه رَجُلٌ، فعاقَبَه هذا الوليُّ بمَرَضِ الإسهالِ. فصارَ يَقعُدُ بَينَ النَّجاساتِ والقاذوراتِ ويَضَعُها في أنفِه ويَقولُ: نِعمَ الشَّيءُ المُسَهِّلُ! ويَعمَلُ من نَجاسَتِه دُمًى يَلعَبُ بها، ثمَّ تَقَطَّعَت أمعاؤُه وماتَ بسَبَبِ شِدَّةِ مَرَضِ الإسهالِ الذي أصابَه به الوليُّ
[1187] يُنظر: ((رشحات عين الحياة)) للهروي (ص: 228، 229). !
وزَعَموا أنَّ فتَحَ السُّلطانِ مُحَمَّدٍ الفاتِحِ للقُسطَنطينيَّةِ إنَّما تَحَقَّقَ حينَ طَلب السُّلطانُ المَدَدَ من عُبَيدِ اللهِ أحرار النَّقشَبَنْديِّ، فظَهَرَ له الشَّيخُ راكِبًا على فرَسٍ أبيَضَ وقال له: لا تَخَفْ. فقال له السُّلطانُ: كَيف لا أخافُ وعَسكَرُ الكُفَّارِ كَثيرٌ؟ قال السُّلطانُ: فأراني الشَّيخُ في كُمِّه، فإذا فيه عَساكِرُ لا تُحصى. وقال له: جِئتُك بهذه العَساكِرِ لإعانَتِك
[1188] يُنظر: ((رشحات عين الحياة)) للهروي (ص: 229). !
وقد صَرَّحَ النَّقشَبَنْديُّون بأنَّ مَشايِخَهم يَعلمونَ ما يَختَلجُ في صُدورِ النَّاسِ، فقال الشَّاه وليُّ اللهِ الدِّهْلَويُّ: (وللنَّقشَبَنْديَّةِ تَصَرُّفاتٌ عَجيبةٌ منَ التَّصَرُّفِ في قُلوبِ النَّاسِ والإشرافِ على خَواطِرِ النَّاسِ وما يَختَلِجُ في الصُّدورِ)
[1189] ((شفاء العليل ترجمة القول الجميل)) (ص: 104). !
وذَكَر بَعضُ النَّقْشَبَنْديَّةِ في كُتُبِهم أنَّه لمَّا حَصَل لبَهاءِ الدِّينِ شاه نَقْشَبَنْدَ التَّكليفُ والوِلايةُ للطَّريقةِ اجتَمَعَ مَعَ سَلفِه من أصحاب الطَّريقةِ (أمواتًا) فأعطَوه عَلاماتِ قَبولِ وِلايَتِه، وقالوا له: (تَذهَبُ غَدًا عِندَ مَولانا شَمسِ الدِّينِ الأبنيكونيِّ وتُخبرُه بأنَّ ما يَدَّعيه فلانٌ التُّركيُّ صَحيحٌ، والحَقُّ مَعَ التُّركيِّ فإن أنكَرَ السَّقا صِحَّةَ هذه الدَّعوى فقُلْ له: عِندي شاهدانِ: الأوَّلُ: أنَّك يا سَقَّا عَطشانُ، فهو يَعرِفُ مَعنى هذه الكَلمةِ. والثَّاني: أنَّك أتَيتَ امرَأةً أجنَبيَّةً فحَمَلتْ منك فسَعَيتَ بإسقاطِ الحَملِ ودَفَنْتَه في المَوضِعِ الفُلانيِّ... ثمَّ اذهَبْ إلى نَسَفٍ
[1190] مدينةٌ مشهورةٌ ببلادِ فارِسَ، منها النَّسَفيُّ صاحِبُ التَّفسيرِ. لخِدمةِ السَّيِّدِ أمير كلال، وسَتَجِدُ في المَحَلِّ الفُلانيِّ شَيخًا يُعطيك رَغيفًا حارًّا فخُذْه منه ولا تُكَلِّمْه... وامضِ على طَريقِك، فتَمُرُّ على قافِلةٍ إذا تَجاوزْتَها استَقبلَك فارِسٌ فانصَحْه؛ فإنَّه سَتَكونُ تَوبَتُه على يَدَيك)
[1191] يُنظر: ((المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 113- 115)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/145، 146). .
ويَحكونَ عنِ الشَّيخِ عُبَيدِ اللَّهِ أحرار النَّقشَبَنْديِّ أنَّه ما من خاطِرٍ إلَّا وقدِ اطَّلعَ عليه
[1192] يُنظر: ((المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 173)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/140). !
وزَعَمَ مُحَمَّد زاهِد الكَوثَريُّ النَّقشَبَنْديُّ أنَّ أبا الحَسَنِ الشَّاذليَّ قال: (أطلَعَني اللهُ على اللَّوحِ المَحفوظِ، فلولا التَّأدُّبُ مَعَ جَدِّي رَسولِ اللهِ لقُلتُ: هذا سَعيدٌ وشَقيٌّ)
[1193] يُنظر: ((إرغام المريد)) (ص: 39). .
ونَقَلوا عن إبراهيمَ الدُّسوقيِّ قَولَه لمُريديه: (يا أولادي، إن صَحَّ عَهدُكم مَعي فأنا قَريبٌ منكُم... فلو كان أحَدُكُم بالمَشرِقِ وأنا بالمَغرِبِ وورد عليكُم منَ المُشكِلاتِ شَيءٌ تَستَخيرونَ به رَبَّكُم فوجِّهوا وُجوهكُم إليَّ، وافتَحوا عَينَ قَلبكُم؛ فإنَّكُم تَرَوني جِهارًا وتَستَشيروني في جَميعِ أمورِكُم، فمَهما قُلْتُه لكُم فاقبَلوه وامتَثِلوه... هَكَذا جَرَت سُنَّةُ اللهِ مَعَ أوليائِه)
[1194] يُنظر: ((نور الهداية والعرفان)) لصاحب زاده (ص: 38). .
وممَّا ذَكَروه أنَّ أحَدَ أكابِرِ الأئِمَّةِ سُئِل عَمَّن قال: إنَّ من كَراماتِ الوليِّ أن يَقولَ للشَّيءِ: كُنْ فيَكونُ! فنَهى أحَدُهم هذا القائِلَ عن ذلك. فقال -أي لمَن نَهاه-: مَن أنكَرَ ذلك فعَقيدَتُه فاسِدةٌ. فهل ما ادَّعاه صَحيحٌ -أي أنَّ من كَراماتِ الوليِّ أن يَقولَ للشَّيءِ: كُنْ فيَكونُ؟- فأجابَ بأنَّ ما قاله صَحيحٌ؛ إذِ الكَرامةُ الأمرُ الخارِقُ للعادةِ يُظهِرُه اللهُ تعالى على يَدِ وَليِّه
[1195] يُنظر: ((نور الهداية والعرفان)) لصاحب زاده (ص: 60). !
وقالوا عن مُحَمَّدٍ الخواجكيِّ الأمكنكيِّ: (ليس من ذَرَّةٍ في العالمِ إلَّا وهو يَمُدُّها بالرُّوحانيَّةِ)
[1196] يُنظر: ((المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 178)، ((الحدائق الوردية)) للخاني (ص: 177). .
وهذا يُشبِهُ قَولَ الخُمينيِّ في أئِمَّةِ أهلِ البَيتِ: (إنَّ لأئِمَّتِنا مَقامًا عَظيمًا وخِلافةً تَكوينيَّةً تَخضَعُ لها جَميعُ ذَرَّاتِ هذا الكَونِ)
[1197] ((الحكومة الإسلامية)) (ص: 52). .
وجَعَلوا لهم أيضًا القُدرةَ على الإحياءِ والإماتةِ، فذَكَر الكُرديُّ وغَيرُه منَ النَّقشَبَنْديَّةِ قِصَّةً عن بَهاءِ الدِّينِ النَّقشَبَنْديِّ في هذا الشَّأنِ، فقال: (خَرَجتُ يَومًا أنا ومُحَمَّد زاهِد إلى الصَّحراءِ وكان مُريدًا صادِقًا، ومَعنا المَعاوِلُ نَشتَغِلُ بها، فمَرَّت بنا حالةٌ أوجَبَت أن نُلقيَ المَعاوِلَ ونَتَذاكَرَ في المَعارِفِ، فما زِلْنا كذلك حتَّى انجَرَّ الكَلامُ بنا إلى العُبوديَّةِ، فقال لي: إلى أيِّ حَدٍّ تَنتَهي العُبوديَّةُ؟ فقُلتُ له: تَنتَهي إلى دَرَجةٍ إذا قال صاحِبُها لأحَدٍ: مُتْ، ماتَ في الحالِ! قال: ثمَّ وقَعَ لي أنِّي قُلتُ له ساعَتئِذٍ: مُتْ، فماتَ حالًا واستَمَرَّ مَيِّتًا من وقتِ الضُّحى إلى نِصفِ النَّهارِ، وكان الوقتُ حارًّا فانزَعَجتُ لذلك وتَحَيَّرتُ كَثيرًا، ثمَّ آويتُ إلى ظِلٍّ قَريبٍ منه فجَلستُ وأنا في حَيرةٍ تامَّةٍ، ثمَّ رَجَعتُ عِندَه فنَظَرتُ إليه فوجَدتُه قد تَغَيَّرَ من فرطِ الحَرِّ فازدَدتُ قَلقًا، فألقيَ إليَّ وقتَئِذَ أنْ قُلْ له: يا مُحَمَّدُ، احْيَ، فقُلتُ له ذلك ثَلاثَ مَرَّاتٍ فأخَذَت تَسري به الحَياةُ شَيئًا فشَيئًا وأنا أنظُرُ إليه حتَّى عادَ إلى حالِه الأوَّلِ! فأتَيتُ حَضرةَ السَّيِّدِ أمير كلال فقَصَصتُ عليه القَصَصَ فلمَّا ذَكَرتُ له أنَّه ماتَ وتَحَيَّرتُ من ذلك، قال لي: يا ولدي، لمَ لمْ تَقُلْ له: احْيَ؟! فقُلتُ له: لمَّا أُلهِمتُ ذلك قُلتُه له فعادَ حَيًّا)
[1198] يُنظر: ((المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 133، 134)، ((الحدائق الوردية)) للخاني (ص: 137)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/146، 147). !
وقد ذَكَرَ السَّرهنديُّ أنَّ مُريدي الطَّريقةِ يَقولونَ: (الشَّيخُ يُحيي ويُميتُ، وأنَّ الإحياءَ والإماتةَ من لوازِمِ مَقامِ المَشيَخةِ)
[1199] يُنظر: ((المكتوبات الربانية)) (ص: 349). .
وحَكى مُحَمَّد أسعَد صاحِب زادَه أنَّ للأولياءِ الكامِلينَ أنواعًا منَ التَّصَرُّفاتِ؛ منها:
التَّجَسُّدُ والتَّمثيلُ بالصُّوَرِ: كتجَسُّدِهم في الصُّورِ في أمكِنةٍ مُتَعَدِّدةٍ في وقتٍ واحِدٍ. وتُسَمِّيه الصُّوفيَّةُ بعالمِ المِثالِ: وبَنَوا عليه تَجَسُّدَ الأرواحِ وظُهورَها في صورٍ مُختَلفةٍ. واستَأنَسوا بقَولِه تعالى:
فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [مريم: 17] [1200] يُنظر: ((نور الهداية والعرفان)) لصاحب زاده (ص: 55). . وأكَّدَ ذلك خالدٌ البَغداديُّ، فذَكَرَ أنَّ الرُّوحَ تَظهَرُ في سَبعينَ ألفَ صورةٍ في الدُّنيا
[1201] يُنظر: ((رسالة في تحقيق الرابطة)) (ص: 7). . وكما أنَّ الشَّيطانَ لا يَتَمَثَّلُ بصورةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكذلك لا يَستَطيعُ أن يَتَمَثَّلَ بصورةِ الشَّيخِ؛ ولذا تَظهَرُ صُوَرُ المَشايِخِ في مَناطِقَ مُختَلفةٍ في آنٍ واحِدٍ، ويُمَكِّنُهمُ اللهُ منَ الظُّهورِ بصُوَرٍ عَديدةٍ بلا حَصرٍ، وقد يَكونُ لهم صورةٌ واحِدةٌ تَملأُ الكَونَ
[1202] يُنظر: ((نور الهداية والعرفان)) لصاحب زاده (ص: 55، 59). .
وحُكيَ أنَّ مُحَمَّد أمين الكُرديَّ زارَ قَبرَ النَّبيِّ يونُسَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفجأةً رَفعَ اللهُ الحِجابَ بَينَه وبَينَ صاحِبِ القَبرِ، فرَآه جالسًا والأنبياءُ جُلوسٌ حَولَه. وهم يَنتَظِرونَ مَجيءَ سَيِّدِ البَشَرِ مُحَمَّدٍ بنِ عَبدِ اللَّهِ
[1203] يُنظر: ((تنوير القلوب)) (ص: 8). !
وحَكَوا أنَّه أهدِيَت لبَهاءِ الدِّينِ نَقْشَبَنْدَ سَمَكةٌ مَطبوخةٌ والفُقَراءُ حاضِرونَ، وفيهم شابٌّ عابدٌ زاهِدٌ كان صائِمًا، فقال له: وافِقْ إخوانَك وأفطِرْ. فلم يَقبَلْ. فقال له: أفطِرْ وأنا أهَبُك صَومَ يَومٍ من شَهرِ رَمَضانَ، فأبى، فقال له: أفطِرْ وأنا أهَبُك صيامَ أيَّامِ شَهرِ رَمَضانَ. فأبى، فقال بهاءٌ: وقَعَ نَظيرُ ذلك مَعَ سُلطانِ العارِفينَ أبي يَزيدَ رَضِيَ اللهُ عنه فاترُكوه؛ فإنَّه منَ المُبعَدينَ. فنظرًا لاستِخفافِه بأوامِرِ أهلِ اللهِ تعالى ابتَلاه اللهُ تعالى بَعدَ ذلك بالانهماكِ في الدُّنيا والإعراضِ عَمَّا كان فيه من سَعادةِ العِبادةِ
[1204] يُنظر: ((الحدائق الوردية)) للخاني (ص: 136). .
وللمُؤَلِّفينَ النَّقشَبَنْديِّين طَريقةٌ مُعَيَّنةٌ في مَدحِ مَشايِخِهم، فيَقتَبِسونَ من آياتِ القُرآنِ ألفاظًا يَستَخدِمونَها في ذلك الغَرَضِ، كقَولهم عنِ الشَّيخِ النَّقشَبَنْديِّ مُحَمَّد الخواجكيِّ الأمكنكيِّ: (لم يَزَلْ في بدايَتِه بعَينِ هدايَتِه مَلحوظًا، وفي ظِلِّ سَلطَنةِ تَربيَتِه مَحظوظًا، حتَّى صارَ لمَناقِبِه لوحًا مَحفوظًا لا يَدعُ فضيلةً جَليلةً إلَّا أحصاها... فكان تِلوَ والدِه كالشَّمسِ وضُحاها والقَمَرِ إذا تَلاها)
[1205] يُنظر: ((المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 178). .
ويَستَخدِمونَ بَعضَ عِباراتِ الغُلوِّ التي يُطْرونَ بها مَشايِخَهم، كوصفِهم عَبدَ الخالِقِ الغُجْدُوانيِّ بأنَّه (الغَوثُ الصَّمَدانيُّ، والمَحبوبُ السُّبحانيُّ)
[1206] يُنظر: ((الفيوضات الخالدية)) لصاحب زاده (ص: 18) على هامش كتابه ((نور الهداية والعرفان)). .
ويَصِفونَ عَبدَ اللَّهِ الدِّهْلَويَّ بصِفةِ (قَيُّومِ الزَّمانِ)
[1207] يُنظر: ((نور الهداية والعرفان)) لصاحب زاده (ص: 88). .
وقال صاحِب زادَه: (رُؤيةُ الشَّيخِ تُثمِرُ ما يُثمِرُه الذِّكرُ، بل هي أشَدُّ تَأثيرًا منَ الذِّكرِ، وقد كانت تَربيةُ النَّبيِّ لأصحابِه كذلك، فكانوا يَشتَغِلونَ برُؤيةِ طَلعَتِه السَّعيدةِ، ويَنتَفِعونَ بها أكثَرَ ممَّا يَنتَفِعونَ بالأذكارِ)
[1208] ((نور الهداية والعرفان)) (ص: 51). .
وهم يَتَوجَّهونَ بالدُّعاءِ إلى حَيثُ أماكِنُ مَشايِخِهم ولو من مَكانٍ بَعيدٍ، ويَستَقبلونَ قِبلتَهم؛ فقد ذَكَرَ الهَرَويُّ أنَّ واحِدًا من مُريدي الشَّيخِ قُطبِ الدِّينِ حَيدَر كان جائِعًا، فقَلَّب وجهَه نَحوَ قَريةِ شَيخِه، وقال: (شَيءٌ للَّهِ يا قُطبَ الدِّينِ حَيدَر، لا تَحرِمْنا من بَرَكاتِك أصلًا ولا تَنسانا)
[1209] يُنظر: ((رشحات عين الحياة)) (ص: 194). !
وقال أحَدُ مُريدي مُحَمَّد بَهاءِ الدِّينِ: (أمَرَني الشَّيخُ شادي أحَدُ أجِلَّاءِ أصحابِ الشَّيخِ بَهاءِ الدِّينِ أن لا يَمُدَّ أحَدُنا رِجلَه إلى جِهةٍ يَكونُ فيها الشَّيخُ قدَّسَ اللهُ سِرَّه، فأتَيتُ يَومًا إلى قَصرِ العارِفانِ «مَسكَنِ الشَّيخِ بَهاءِ الدِّينِ» لزيارَتِه، فأويتُ إلى ظِلِّ شَجَرةٍ في الطَّريقِ واضطَجَعتُ، فجاءَ حَيَوانٌ فلدَغَني في رِجلي مَرَّتَينِ فقُمتُ وقد تَألَّمتُ ألمًا شَديدًا. ثمَّ اضطَجَعتُ فعادَ مَرَّةً ثالثةً كذلك، فجَلستُ أتفكَّرُ في سَبَبِ ذلك مُدَّةً، حتَّى تَذَكَّرتُ نَصيحةَ الشَّيخِ شادي، ووجَدتُ أنِّي قد مَدَدتُ رِجلي إلى ناحيةِ قَصرِ العارِفانِ، فعَلِمتُ أنَّ ذلك تَأديبٌ لي على ما فرَطَ منِّي)
[1210] يُنظر: ((الحدائق الوردية)) للخاني (ص: 140). !
وكان لعُبَيدِ اللهِ أحرار مَيزةٌ عَجيبةٌ، فكان عِندَه قوَّةٌ يَنقُلُ بها المَرَضَ من شَخصٍ لآخَرَ
[1211] يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/236)، ((الحدائق الوردية)) للخاني (ص: 9). . هكذا قالوا!
ونَصَّ الدِّهْلَويُّ على أنَّ نَقلَ المَرَضِ من كَراماتِ مَشايِخِ هذه الطَّريقةِ
[1212] يُنظر: ((شفاء العليل)) (ص: 104). .
وحَكَوا أنَّ عُبَيدَ اللهِ أحرار مَرِضَ فقال له الشَّيخُ قاسِم: إنِّي قد فدَيتُك بنَفسي. فقال له عُبَيدُ اللهِ: لا تَفعَلْ هَكَذا؛ فإنَّ المُتَعَلِّقينَ بك كَثيرونَ وأنتَ رَجُلٌ شابٌّ. فقال الشَّيخُ قاسِم: ما جِئتُك مُستَشيرًا في هذا الأمرِ بل قَرَّرتُه في نَفسي وصَمَّمتُ عليه وجِئتُك، وقد قَبِلَ اللهُ منِّي ذلك. ففي اليَومِ التَّالي انتَقَل مَرَضُ الشَّيخِ عُبَيدِ اللَّهِ إلى الشَّيخِ قاسِم، وبَرِئَ الشَّيخُ عُبَيدُ اللَّهِ منَ المَرَضِ بُرءًا تامًّا، فلم يَعُدْ بحاجةٍ إلى طَبيبٍ
[1213] يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/236، 237). !
وحَكى الخانيُّ أنَّ تَحَمُّلَ المَشايِخِ للأمراضِ ونَقلَه إلى آخَرينَ من عادةِ السَّادةِ أصحابِ الطَّريقةِ
[1214] يُنظر: ((الحدائق الوردية)) للخاني (ص: 148). .
أمَّا مُحَمَّد المَعصومُ فيَقولونَ عنه: إنَّه كان غَوثًا يَستَغيثُ به النَّاسُ ويَصِفونَه بحَضرةِ القَيُّومِ؛ فقد سَقَطَ أحَدُ مُريديه عن فرَسِه في الصَّحراءِ، قال: (فاستَغَثتُ بحَضرةِ القَيُّومِ، فحَضَرَ بنَفسِه وأيقَظَني)، كذلك أشرَف آخَرُ مِن أتباعِه على الغَرَقِ، فاستَغاثَ به فحَضَرَ في الحالِ وأنقَذَه! وكان يُغيثُ النَّاسَ في أقصى الأرضِ وهو جالسٌ في مَكانِه؛ فقدِ استَغاثَ به رَجُلٌ في سَفينةٍ كانت تَغرَقُ فمَدَّ الشَّيخُ يَدَه وانتَشَل السَّفينةَ وهو في بَيتِه أمامَ أصحابِه الذينَ رَأوا فجأةً أنَّ كُمَّه صارَت مُبلَّلةً بَعدَ أن رَأوه يَمُدُّها في الهَواءِ
[1215] يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/199)، ((المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 210)، ((الحدائق الوردية)) للخاني (ص: 195). !
وجاءَ يَومًا سَيلٌ عَظيمٌ على قَريةِ (مَولانا عارِف) فخاف أهلُها منَ الغَرَقِ، ففزِعوا إليه فخَرَجَ وجَلسَ مَكانَ طُغيانِ الماءِ، وقال للماءِ: إن كان لك قوَّةٌ فاحمِلْني. فتَراجَعَ السَّيلُ
[1216] يُنظر: ((المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 107). !
ويَحكونَ عن هذا الشَّيخِ أنَّه كان وليًّا مُنذُ الوِلادةِ، وأنَّه لم يَكُنْ يَرضَعُ من والدَتِه في رَمَضانَ. وقد خَلعَه اللَّه بخِلعةِ (أي: صِفةِ) القَيُّوميَّةِ، فصاروا يَصِفونَه بالقَيُّومِ
[1217] يُنظر: ((الحدائق الوردية)) للخاني (ص: 191)، ((المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 202، 203). .
قالوا: وذُكِرَ عِندَه رافِضيٌّ يَطعنُ في أبي بكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، فغَضِب مُحَمَّدٌ المَعصومُ غَضَبًا شَديدًا، وكان بَينَ يَدَيه بِطِّيخٌ، فأخَذَ السِّكِّينَ وقال لها: اذبَحي هذا الخَبيثَ، ثمَّ أمَرَّ السِّكِّينَ على البِطِّيخِ، فماتَ الرَّافِضيُّ من وقتِه
[1218] يُنظر: ((الحدائق الوردية)) للخاني (ص: 195). !
إنَّ النَّقشَبَنْديِّين يُكثِرونَ من دَعوى قيامِ طَريقَتِهم على الكِتابِ والسُّنَّةِ وحِرصِهم على اتِّباعِهما، والحَقيقةُ أنَّ غُلوَّهم في شَأنِ الوِلايةِ والأولياءِ وتَعظيمِ مَشايِخِهم أحَدُ الأسبابِ الرَّئيسيَّةِ التي أخرَجَتهم عن حَدِّ مُتابَعةِ الوَحيِ والالتِزامِ به بلا غُلوٍّ أوِ ابتِداعٍ.
وقد رَوى الهَرَويُّ أنَّ أحَدَ مَشايِخِ النَّقشَبَنْديَّةِ كان مُعتَكِفًا في المَسجِدِ لا يَأكُلُ ولا يَشرَبُ، فلمَّا عَزَمَ على الخُروجِ منَ المَسجِدِ ليَأكُلَ ألقى اللهُ إليه إلهامًا رَبَّانيًّا أن: بِعتَ صُحبَتَنا على خُبزٍ؟! قال: فرَجَعتُ المَسجِدَ ثانيةً ولطَمتُ وجهي بيَدي حتَّى بَقيَ أثَرُ الضَّربِ فيه أسبوعًا
[1219] يُنظر: ((رشحات عين الحياة)) للهروي (ص: 150). .
ورَوى الهَرَويُّ أيضًا قِصَّةَ أحَدِ كِبارِ النَّقشَبَنْديَّةِ قال: (وكان الشَّيخُ لا يَأكُلُ الطَّعامَ الحاصِلَ منَ الحَيَواناتِ، ويَمتَنِعُ عنه ويَقولُ: أنا أتَعَجَّبُ منَ النَّاسِ كَيف يَضَعونَ السِّكِّينَ على حَلقِ ما له عَينانِ يَنظُرُ بهما إليهم، ويَقتُلونَه ثمَّ يَطبُخونَ لحمَه ويَأكُلونَ؟!)، قال الهَرَويُّ: (ويُفهَمُ من كَلامِ الشَّيخِ هذا أنَّه في ذلك الوقتِ كان مُتَحَقِّقًا بمَقامِ الأبدالِ؛ فإنَّ تلك الخَصلةَ مَخصوصةٌ بمَقامِ الأبدالِ؛ فإنَّهم لا يَقتُلونَ شَيئًا منَ الحَيَواناتِ ولا يُؤذونَه ولا يَأكُلونَ لحمَه؛ لغَلبةِ شُهودِ سَرَيانِ الحَياةِ الحَقيقيَّةِ في الأشياءِ عليهم في هذا المَقامِ)
[1220] ((رشحات عين الحياة)) (ص: 153). .
وهذا مُخالِفٌ تَمامًا لصَريحِ القُرآنِ والسُّنَّةِ من حِلِّ الطَّعامِ المَذبوحِ على اسمِ اللهِ تعالى، الذي قال في كِتابِه العَزيزِ:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ [يونس: 59-60] .
وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ نَفرًا من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَألوا أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن عَمَلِه في السِّرِّ، فقال بَعضُهم: لا أتَزَوَّجُ النِّساءَ، وقال بَعضُهم: لا آكُلُ اللَّحمَ، وقال بَعضُهم: لا أنامُ على فِراشٍ، فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه. فقال:
((ما بالُ أقوامٍ قالوا كَذا وكَذا؟ لكِنِّي أصَلِّي وأنامُ، وأصومُ وأُفطِرُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس منِّي)) [1221] أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401) واللفظ له. .