المَطلَبُ الأوَّلُ: مَشايِخُ الخَتميَّةِ وأئِمَّةُ الشِّيعةِ الاثنَي عَشريَّةِ
يَرتَبطُ الخَتميَّةُ من ناحيةِ نَسَبِهم -كما يَقولونَ- بأئِمَّةِ الشِّيعةِ الاثنَي عَشَرَ، وقد أورَدَ جَعفَرٌ الميرغَنيُّ نَسَبَ والدِه مُحَمَّد عُثمان مُؤَكِّدًا ذلك على النَّحوِ الآتي: (إنَّه مُحَمَّد عُثمان بنُ السَّيِّدِ مُحَمَّد أبي بكرِ بنِ مَولانا السَّيِّدِ عَبدِ اللَّهِ الميرغَنيِّ المَحجوبِ بنِ السَّيِّدِ إبراهيمَ بنِ السَّيِّدِ حَسَنِ بنِ السَّيِّدِ مُحَمَّد أمين بنِ السَّيِّدِ علي الميرغَنيِّ بنِ السَّيِّدِ حَسَن بنِ ميرخورد بنِ حَيدَرِ بنِ حَسَنِ بنِ عَبدِ اللَّهِ بنِ عليِّ بنِ حَسَنِ بنِ السَّيِّدِ حَيدَرِ بنِ ميرخورد بنِ حَسَنِ بنِ أحمَدَ بنِ عليِّ بنِ إبراهيمَ بنِ يَحيى بنِ حَسَنِ بنِ بكرِ بنِ عليِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إسماعيلَ بنِ ميرخورد البُخاريِّ بنِ عُمَرَ بنِ عليِّ بنِ عُثمانَ بنِ عليٍّ المُتَّقي بنِ الحَسَنِ الخالِصِ بنِ عليٍّ الهادي بنِ مُحَمَّدٍ الجَوادِ بنِ عليٍّ الرِّضا بنِ موسى الكاظِمِ بنِ الإمامِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدٍ الباقِرِ بنِ زَينِ العابِدينَ بنِ الحُسَينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ كَرَّم اللهُ وَجهَه، وابنُ الزَّهراءِ البَتولِ)
[1344] ((لؤلؤة الحسن الساطعة)) (ص: 39). .
وفي مُقدِّمةِ كِتابِه (لُؤلُؤةُ الحَسَنِ) حَمَد جَعفَرٌ الميرغَنيُّ اللَّهَ تعالى الذي جَعلَهم مُنتَمينَ إلى أهلِ البَيتِ المُطَهَّرِ بنَصِّ الآياتِ القُرآنيَّةِ، ومنَ الذينَ أودَعَ اللهُ فيهم سِرَّ النُّبوَّةِ، وشَفَّعَهم في أمَّةِ جَدِّهم مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: (وأشكُرُه على أن دَلَّنا بالتَّمَسُّكِ والانتِماءِ لخُلاصةِ الوُجودِ، المُطَهَّرينَ بنَصِّ الآياتِ تَطهيرًا سَبَقَ لهم في الأزَلِ بخالصِ الكَرمِ والجودِ. وأوجَبَ لهم إنافةَ المَقامِ، وعُلوَّ القَدرِ في عالمِ الغَيبِ والشُّهودِ، وصَرَخَت بذِكرِه ألسِنةُ أفواهِ آيةِ
قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود: 73] ، فبانَ بذلك رَفعُ الشَّأنِ... وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ الحاكِمُ بالتَّقديرِ لهذه النِّسبةِ في الدَّارَينِ، المانِحُ لهمُ الشَّفاعةَ في أمَّةِ جَدِّهم سَيِّدِ الكونَينِ، المودِعُ سِرَّ النُّبوَّةِ فيهم، فبه دائِمًا صَباحُ وُجوهِهم مُسفِرةٌ تَقَرُّ برُؤيَتِها كُلُّ عَينٍ)
[1345] ((لؤلؤة الحسن الساطعة)) (ص: 38). .
وهكذا يَنتَسِبُ الخَتميَّةُ -كما يَقولُ أحَدُ أتباعِهم- إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن خِلالِ (الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ، الذينَ التَفَّت حَولهمُ الأمَّةُ الإسلاميَّةُ بقُلوبِها وجَوارِحِها في القُرونِ الأولى منَ الإسلامِ) بزَعمِه. وبَعدَ أن أورَدَ هذا الكاتِبُ سِلسِلةَ النَّسَبِ أعلاه قال: (وكما هو واضِحٌ منَ النَّسَبِ أعلاه فإنَّ السَّادةَ المراغِنةَ يَنتَسِبونَ إلى الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ عُظَماءِ الأمَّةِ المُحَمَّديَّةِ، ووارِثي عِلمِ المُصطَفى وبابِ مَدينةِ العِلمِ "عليٍّ"، وشُهرَتُهم تُغني عنِ التَّعريفِ بهم؛ فقد كانوا أقمارَ السَّماواتِ ونُجومَ الأرَضينَ)
[1346] ((الختمية العقيدة والتاريخ والمنهج)) لمحمد خير (ص: 32). .
ومَعلومٌ أنَّ المُرادَ بالأئِمَّةِ الاثني عَشَرَ هنا أئِمَّةُ الشِّيعةِ الذينَ يَبدَؤونَ بعليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، ثمَّ الحَسَنِ والحُسَينِ، ويَنتَهونَ -كما قال الشِّيعةُ- بمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ العَسكَريِّ (المَهديِّ الغائِبِ أوِ المُنتَظَرِ)، وعِندَ هذا الأخيرِ الثَّاني عَشَرَ تَقِفُ سِلسِلةُ الأئِمَّةِ عِندَ الشِّيعةِ؛ لأنه اختَفى أو غابَ غَيبةً صُغرى ثمَّ غَيبةً كُبرى لم يَظهَرْ بَعدَها حتَّى الآنَ.
ونَسَبُ الخَتميَّةِ بهذا التَّسَلسُلِ ودَعوةُ ارتِباطِهم بالأئِمَّةِ الاثني عَشَرَ يُثيرُ عِدَّةَ إشكالاتٍ؛ منها:
أنَّ سِلسِلةَ هذا النَّسَبِ تُثبتُ أنَّ الحَسَنَ الخالِصَ أوِ الحَسَنَ العَسكَريَّ، الإمامَ الحاديَ عَشَرَ عِندَ الشِّيعةِ، له ابنٌ هو (عليٌّ التَّقيُّ)، ومنه انحَدَرَ المراغِنةُ، وهذا ما لا يَقولُ به الشِّيعةُ أنفُسُهم؛ لأنَّهم يَدَّعونَ أنَّ ابنَ الحَسَنِ العَسكَريِّ هو (مُحَمَّدٌ المَهديُّ) الذي اختَفى، وهو غُلامٌ في الخامِسةِ، أوِ الثَّالثةِ من عُمرِه. فضلًا عن أنَّ بَعضَ المُؤَرِّخينَ يُنكِرونَ وُجودَ ابنٍ للحَسَنِ العَسكَريِّ في الأساسِ، الأمرُ الذي يُؤَدِّي إلى الشَّكِّ في تَسَلسُلِ نَسَبِ المراغِنةِ بهذه الصُّورةِ التي وصَفوها.
ومنَ الإشكالاتِ أنَّ هذا النَّسَبَ لو صَحَّ في بدايَتِه فلا شَكَّ أنَّه في وقتٍ مُتَأخِّرٍ قدِ اختَلطَ ببَعضِ الدِّماءِ الأعجَميَّةِ، وما اسمُ ميرخورد الذي ورَدَ أكثَرَ من مَرَّةٍ واسمُ ميرغنيٍّ الذي يَقولُ المراغِنةُ: إنَّه اسمٌ فارِسيٌّ، إلَّا أوضَحُ دَليلٍ على ذلك.
وسَواءٌ صَحَّ هذا النَّسَبُ أم لم يَصِحَّ فيَنبَغي أن يُعلمَ أنَّ النَّاسَ في مَفهومِ الإسلامِ لا يتمايزون لأنسابِهم ولا يتفاضَلون لأحسابِهم، بل إنَّ الإسلامَ وضَعَ التَّقوى مِقياسًا لكَرامةِ الإنسانِ وفَضلِه، فقال اللهُ تعالى:
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13] ، وأكَّد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا المَعنى في قَولِه:
((لا فَضلَ لعَرَبيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميِّ على عَرَبيٍّ، ولا لأبيَضَ على أسوَدَ، ولا لأسوَدَ على أبيَضَ، إلَّا بالتَّقوى، النَّاسُ من آدَمَ، وآدَمُ من تُرابٍ)) [1347] أخرجه من طُرُقٍ: أحمد (23489)، وعبد الله بن المبارك في ((المسند)) (239)، والحارث في ((المسند)) كما في ((بغية الباحث)) للهيثمي (51) من حديثِ رجلٍ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ولفظُ أحمدَ: عن أبي نَضرةَ، حدَّثني من سَمِع خُطبةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((.. ألا لا فَضلَ لعَرَبيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا أحمرَ على أسوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ، إلَّا بالتَّقوى)). صحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1536)، وصحَّح إسنادَه ابنُ تيميَّةَ في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/412)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/199)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (23489). وقولُه: ((النَّاسُ مِن آدَمَ، وآدَمُ من ترابٍ)). أخرجه أبو داود (5116) بلفظ: "أنتم بنو آدمَ"، والترمذي (3956)، وأحمد (8736) بلفظ: ((والنَّاسُ بنو آدَمَ)) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه ابنُ تيميَّةَ في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/247)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5116)، وحَسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5116)، وقال التِّرمِذيُّ: حَسَنٌ غَريبٌ. .
انظر أيضا:
عرض الهوامش