المسألةُ الثَّالثةُ: عَدَمُ استدلالِ الماتُريديَّةِ بأخبارِ الآحادِ في بابِ الصِّفاتِ وسائِرِ مسائِلِ العقيدةِ
قرَّر
الماتُريديَّةُ أنَّه لا يجوزُ الاستدلالُ بخبَرِ الآحادِ في بابِ العقائِدِ؛ لأنَّ أخبارَ الآحادِ ظنيَّةُ الدَّلالةِ، ولا تفيدُ اليقينَ، وإنَّما يجوزُ الاستدلالُ بها في الأحكامِ الفِقهيَّةِ
[513] يُنظر: ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص: 89)، ((شرح المواقف للجرجاني مع حاشيتي السيالكوتي والفناري)) (2/ 58). .
والصَّوابُ أنَّ مَسائِلَ الاعْتِقادِ تُؤخَذُ مِن القُرْآنِ الكَريمِ، ومِن الحَديثِ الصَّحيحِ بقِسْمَيه؛ المُتَواتِرِ، والآحادِ، والَّذي عليه الصَّحابةُ ومَن تَبِعَهم بإحْسانٍ مِن العُلَماءِ المُحَقِّقينَ أن خَبَرَ الواحِدِ المُتَلقَّى بالقَبولِ يُفيدُ العِلمَ والعَمَلَ حتَّى في مَسائِلِ الاعْتِقادِ، وممَّا يَدُلُّ على ذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا بَعَثَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ رَضيَ اللهُ عنه إلى أهْلِ اليَمَنِ قال له:
((إنَّكَ تَقدَمُ علَى قَوْمٍ مِن أهْلِ الكِتَابِ، فلْيكنْ أوَّلَ ما تَدْعوهم إلى أن يُوَحِّدوا اللهَ تَعالى... )) [514] رواه البخاري (7372) واللفظ له، ومسلم (19) من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. .
قال
الشَّافِعيُّ: (إن قال قائِلٌ: اذْكُرِ الحُجَّةَ في تَثْبيتِ خَبَرِ الواحِدِ بنَصِّ خَبَرٍ، أو دَلالةٍ فيه، أو إجْماعٍ، قُلْتُ له: أَخبَرَنا سُفْيانُ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعودٍ عن أبيه: أنَّ النَّبيَّ قال:
((نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقالتي فحَفِظَها ووَعاها وأدَّاها، فرُبَّ حامِلِ فِقْهٍ غَيرُ فَقيهٍ، ورُبَّ حامِلِ فِقْهٍ إلى مَن هو أَفقَهُ مِنه )) [515] أخرجه مطولًا الترمذي (2658)، والشافعي في ((المسند)) (1806) واللفظ له، والحميدي (88). صحَّحه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/364)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2658)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (112) ... فلمَّا نَدَبَ رَسولُ اللهِ إلى اسْتِماعِ مَقالتِه وحِفْظِها وأدائِها امْرَأً يُؤَدِّيها، والمَرْءُ واحِدٌ، دَلَّ على أنَّه لا يَأمُرُ أن يُؤَدَّى عنه إلَّا ما تَقومُ به الحُجَّةُ على مَن أدَّى إليه؛ لأنَّه إنَّما يُؤَدَّى عنه حَلالٌ، وحَرامٌ يُجْتَنَبُ، وحَدٌّ يُقامُ، ومالٌ يُؤخَذُ ويُعْطى، ونَصيحةٌ في دينٍ ودُنْيا ...، لم أَحفَظْ عن فُقَهاءِ المُسلِمينَ أنَّهم اخْتَلَفوا في تَثْبيتِ خَبَرِ الواحِدِ))
[516] ((الرسالة)) (ص: 401- 403، 458). .
وقال
الخَطيبُ البَغْداديُّ: (على العَمَلِ بخَبَرِ الواحِدِ كانَ كافَّةُ التَّابِعينَ ومَن بَعْدَهم مِن الفُقَهاءِ الخالِفينَ، في سائِرِ أمْصارِ المُسلِمينَ إلى وَقْتِنا هذا، ولم يَبلُغْنا عن أحَدٍ مِنهم إنِكارٌ لِذلك، ولا اعْتِراضٌ عليه؛ فثَبَتَ أنَّ مِن دينِ جَميعِهم وُجوبَه؛ إذ لو كانَ فيهم مَن كانَ لا يَرى العَمَلَ به لَنُقِلَ إلينا الخَبَرُ عنه بمَذهَبِه فيه)
[517] ((الكفاية في علم الرواية)) (ص: 31). .
وقال
السَّمْعانيُّ: (إنَّ الخَبَرَ إذا صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورَواه الثِّقاتُ والأئِمَّةُ وأَسنَدَه خَلَفُهم عن سَلَفِهم إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَلَقَّتْه الأمَّةُ بالقَبولِ، فإنَّه يوجِبُ العِلمَ فيما سَبيلُه العِلمُ. هذا قَولُ عامَّةِ أهْلِ الحَديثِ والمُتْقِنينَ مِن القائِمينَ على السُّنَّةِ، وإنَّما هذا القَولُ الَّذي يُذكَرُ أنَّ خَبَرَ الواحِدِ لا يُفيدُ العِلمَ بحالٍ، ولا بُدَّ مِن نَقْلِه بطَريقِ التَّواتُرِ لوُقوعِ العِلمِ به- شيءٌ اخْتَرَعَتُه القَدَريَّةُ والمُعْتَزِلةُ، وكانَ قَصْدُهم مِنه رَدَّ الأخْبارِ)
[518] ((الانتصار لأصحاب الحديث)) (ص: 34). .
وقال ابنُ الموصِليُّ: (انْعِقادُ الإجْماعِ المَعْلومِ المُتَيقَّنِ على قَبولِ هذه الأحاديثِ، وإثْباتِ صِفاتِ الرَّبِّ تَعالى بِها، فهذا لا يَشُكُّ فيه مَن له أَقَلُّ خبْرةٍ بالمَنْقولِ، فإنَّ الصَّحابةَ هُمْ الَّذين رَوَوا هذه الأحاديثَ، وتَلَقَّاها بعضُهم عن بعضٍ بالقَبولِ، ولم يُنكِرْها أحَدٌ مِنهم على مَن رَواها، ثُمَّ تَلَقَّاها عنهم جَميعُ التَّابِعينَ مِن أوَّلِهم إلى آخِرِهم، ومَن سَمِعَها مِنهم تَلَقَّاها بالقَبولِ والتَّصْديقِ لهم، ومَن لم يَسمَعْها مِنهم تَلَقَّاها عن التَّابِعينَ كذلك، وكذلك تابِعُ التَّابِعينَ معَ التَّابِعينَ. هذا أمْرٌ يَعلَمُه ضَرورةً أهْلُ الحَديثِ كما يَعلَمونَ عَدالةَ الصَّحابةِ وصِدْقَهم وأمانتَهم، ونَقْلَهم ذلك عن نَبيِّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كنَقْلِهم الوُضوءَ، والغُسْلَ مِن
الجَنابةِ، وأعْدادَ الصَّلَواتِ وأوقاتَها، ونَقْلِ الأذانِ، والتَّشهُّدِ، والجُمُعةِ، والعيدَينِ، فإنَّ الَّذين نَقَلوا هذا هُمُ الَّذين نَقَلوا أحاديثَ الصِّفاتِ، فإن جازَ عليهم الخَطَأُ والكَذِبُ في نَقْلِها جازَ عليهم ذلك في نَقْلِ غَيرِها ممَّا ذَكَرْنا، وحينَئذٍ فلا وُثوقَ لنا بشيءٍ نُقِلَ لنا عن نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ البَتَّةَ، وهذا انْسلاخٌ مِن الدِّينِ والعِلمِ والعَقْلِ، على أنَّ كَثيرًا مِن القادِحينَ في دينِ الإسلامِ قد طَرَدوا وقالوا: لا وُثوقَ لنا بشيءٍ مِن ذلك البَتَّةَ!)
[519] ((مختصر الصواعق المرسلة)) (ص: 605). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (خَبَرُ الواحِدِ إذا تَلَقَّتْه الأمَّةُ بالقَبولِ عَمَلًا به وتَصْديقًا له يُفيدُ العِلمَ اليَقينيَّ عِندَ جَماهيرِ الأمَّةِ، وهو أحَدُ قِسْمَي المُتواتِرِ. ولم يكنْ بَيْنَ سَلَفِ الأمَّةِ في ذلك نِزاعٌ ...، وكانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرسِلُ رُسُلَه آحادًا، ويُرسِلُ كُتُبَه معَ الآحادِ، ولم يكنِ المُرسَلُ إليهم يَقولونَ: لا نَقبَلُه؛ لأنَّه خَبَرٌ واحِدٌ ...! وخَبَرُ الواحِدِ وإن كانَ يَحْتمِلُ الصِّدْقَ والكَذِبَ، ولكنَّ التَّفْريقَ بَيْنَ صَحيحِ الأخْبارِ وسَقيمِها لا يَنالُه أحَدٌ إلَّا بَعْدَ أن يكونَ مُعظَمَ أوْقاتِه مُشْتغِلًا بالحَديثِ والبَحْثِ عن سيرةِ الرُّواةِ؛ ليَقِفَ على أحْوالِهم وأقْوالِهم، وشِدَّةِ حَذَرِهم من الطُّغْيانِ والزَّلَلِ، وكانوا بحيثُ لو قُتِلوا لم يُسامِحوا أحَدًا في كَلِمةٍ يَتَقوَّلُها على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا فَعَلوا هُمْ بأنْفُسِهم ذلك. وقد نَقَلوا هذا الدِّينَ إلينا كما نُقِلَ إليهم، فهُمْ يَزَكُ الإسلامِ، وعِصابةُ الإيمانِ، وهُمْ نُقَّادُ الأخْبارِ، وصَيارِفةُ الأحاديثِ. فإذا وَقَفَ المَرْءُ على هذا مِن شَأنِهم، وعَرَفَ حالَهم، وخَبَرَ صِدْقَهم ووَرَعَهم وأمانتَهم ظَهَرَ له العِلمُ فيما نَقَلوه ورَوَوه. ومَن له عَقْلٌ ومَعْرِفةٌ يَعلَمُ أنَّ أهْلَ الحَديثِ لهم مِن العِلمِ بأحْوالِ نَبيِّهم وسيرتِه وأخْبارِه ما ليس لِغَيرِهم به شُعورٌ، فَضْلًا أن يكونَ مَعْلومًا لهم أو مَظْنونًا. كما أنَّ النُّحاةَ عِندَهم مِن أخْبارِ
سيبَوَيْهِ والخَليلِ وأقوالِهما ما ليس عِندَ غَيرِهم، وعِندَ الأطِبَّاءِ مِن كَلامِ بُقْراطَ وجالينوسَ ما ليس عِندَ غَيرِهم، وكلُّ ذي صَنْعةٍ هو أَخبَرُ بِها مِن غَيرِه)
[520] ((شرح الطحاوية)) (2/ 501- 503). .
وقال
ابنُ عُثَيْمينَ: (جَوابُنا على مَن يَرى أنَّ أحاديثَ الآحادِ لا تَثبُتُ بها العَقيدةُ؛ لأنَّها تُفيدُ الظَّنَّ، والظَّنُّ لا تُبْنى عليه العَقيدةُ أن نقولَ: هذا رأيٌ غَيرُ صَوابٍ؛ لأنَّه مَبْنيٌّ على غَيرِ صَوابٍ، وذلك مِن عِدَّةِ وُجوهٍ:
1- القَولُ بأنَّ حَديثَ الآحادِ لا يُفيدُ إلَّا الظَّنَّ ليس على إطْلاقِه، بل في أخْبارِ الآحادِ ما يُفيدُ اليَقينَ إذا دَلَّتِ القَرائِنُ على صِدْقِه، كما إذا تَلَقَّتْه الأمَّةُ بالقَبولِ، مِثلُ حَديثِ عَمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه:
((إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ )) [521] أخرجه مطولًا البخاري (1) واللَّفظُ له، ومسلم (1907) فإنَّه خَبَرُ آحادٍ، ومعَ ذلك فإنَّنا نَعلَمُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قاله، وهذا ما حَقَّقَه
شَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْميَّةَ، و
الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ، وغَيرُهما.
2- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُرسِلُ الآحادَ بأُصولِ العَقيدةِ: شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، وإرْسالُه حُجَّةٌ مُلزِمةٌ، كما بَعَثَ مُعاذًا إلى اليَمَنِ، واعتَبَرَ بَعْثَه حُجَّةً مُلزِمةً لأهْلِ اليَمَنِ بقَبولِه
[522] أخرجه البخاري (1496)، ومسلم (19) ولفظ البخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمعاذِ بنِ جَبَلٍ حينَ بعثه إلي اليَمَنِ: ((إنَّك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتَهم فادْعُهم إلي أن يشهدوا أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنَّ الله قد فرض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرْهم أنَّ اللهَ قد فرض عليهم صدقةً تؤخَذُ من أغنيائهم فتُرَد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإيَّاكَ وكرائمَ أموالِهم، واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينه وبين اللهِ حجابٌ)). .
3- إذا قُلْنا بأنَّ العَقيدةَ لا تَثبُتُ بأخْبارِ الآحادِ أَمكَنَ أن يُقال: والأحْكامُ العَمَليَّةُ لا تَثبُتُ بأخْبارِ الآحادِ؛ لأنَّ الأحْكامَ العَمَليَّةَ يَصحَبُها عَقيدةُ أنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ بِهذا أو نَهى عن هذا، وإذا قُبِلَ هذا القَولُ تَعطَّلَ كَثيرٌ مِن أحْكامِ الشَّريعةِ ...
4- أنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ بالرُّجوعِ إلى قَولِ أهْلِ العِلمِ لِمَن كانَ جاهِلًا فيما هو مِن أَعظَمِ مَسائِلِ العَقيدةِ، وهي الرِّسالةُ. فقال تَعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ [النحل: 43-44] . وهذا يَشمَلُ سُؤالَ الواحِدِ والمُتَعدِّدِ. والحاصِلُ أنَّ خَبَرَ الآحادِ إذا دَلَّتِ القَرائِنُ على صِدْقِه أفادَ العِلمَ، وثَبتَتْ به الأحْكامُ العَمَليَّةُ والعِلميَّةُ)
[523] ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (1/ 31، 32). .
ونختِمُ هذا المبحَثَ بنقولٍ عن الكَوثريِّ مجدِّدِ
الماتُريديَّةِ في وَقتِه، اعترف فيها بالحقِّ في ردِّه على مُنكري نزولِ عيسى عليه السَّلامُ في آخِرِ الزَّمانِ، محتجِّين بقاعدةِ المُتكلِّمين من أنَّ خبَرَ الواحِدِ ظنِّيٌّ لا تثبتُ به العقيدةُ. فتصدَّى لهم الكَوْثَريُّ، وألَّف في الرَّدِّ عليهم كتابًا بعنوان (نظرة عابرة)، وردَّ على قاعدةِ المُتكلِّمين من أنَّ أخبارَ الآحادِ لا تُفيدُ اليقينَ، ولا تَثبُت بها العقيدةُ، مع أنَّه يستعمِلُ هذه القاعدةَ في ردِّ نُصوصِ الصِّفاتِ! فكان كتابُه حُجَّةً عليه، وعلى
الماتُريديَّةِ في بابِ الصِّفاتِ.
قال الكَوْثَريُّ: (من قال: إنَّ خبَرَ الآحادِ لا يفيدُ العِلمَ يريدُ خَبَرَ الآحادِ من حيثُ هو بالنَّظَرِ إلى رأيِ جماعةٍ، وإلَّا فخَبرُ الآحادِ الذي تلقَّته الأمَّةُ بالقَبولِ يُقطَعُ بصِدقِه، كما نصَّ على ذلك
أبو المظفَّرِ السَّمعانيُّ في (القواطع)، وقد حكى
السَّخاويُّ في (فتح المُغيث) عن جماعةٍ من المحقِّقين إفادةَ خَبَرِ الآحادِ العِلمَ عِندَ احتفافِه بالقرآنِ، بل قال جماعةٌ: إنَّ ما اتَّفق عليه
البخاريُّ و
مُسلِمٌ يفيدُ -في غيرِ مواضِعِ النَّقدِ منه- العِلمَ؛ لاحتفافِه بالقرائِنِ، ومنهم
الغَزاليُّ... وأين اجتماعُ نصوصِ العُلَماءِ مع قولِ أمثالِ أبي حامدٍ الأسفرايينيِّ، و
أبي إسحاقَ الأسفرايينيِّ، والقاضي أبي الطَّيِّبِ، و
أبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ، و
شمسِ الأئمَّةِ السَّرَخْسيِّ، والقاضي عبدِ الوهَّابِ، وروايةُ ابنِ خُويزِ مِنْداد عن
مالكٍ، وقَولُ
أبي يعلى وأبي الخطَّابِ، وابنِ الزَّاغونيِّ، وابنِ فُورَكٍ، وغيرِهم فيما اتَّفق عليه
البخاريُّ و
مُسلِمٌ، وفي الخبرِ المحتفِّ بالقرائِنِ؟)
[524] ((نظرة عابرة)) (ص: 111-112). .
وقال الكَوْثَريُّ أيضًا: (جمهورُ أهلِ العِلمِ من جميعِ الطَّوائِفِ على أنَّ خبَرَ الواحِدِ إذا تلقَّتْه الأمَّةُ بالقَبولِ تصديقًا له، أو عملًا به أنَّه يوجِبُ العِلمَ)
[525] ((مقالات الكوثري)) (ص: 70). .
وقال أيضًا: (ونحن نسمَعُ من فَلَتاتِ ألسِنةِ دُعاةِ هذه النَّعرةِ بَينَ حينٍ وآخَرَ تهوينَ أمرِ أخبارِ الآحادِ الصَّحيحةِ من السُّنَّةِ...، فبتهوينِ أمرِ أخبارِ الآحادِ يتخلَّصون من كتُبِ السُّنَّةِ؛ من صِحاحٍ، وسُنَنٍ، وجوامِعَ ومُصَنَّفاتٍ، ومسانيدَ، وتفاسيرَ بالرِّوايةِ، وغيرِها...؛ فهل يسلُكُ مِثلَ هذه السَّبيلِ مِن سُبُلِ
الشَّيطانِ غيرُ صنائعِ أعداءِ الإسلامِ؟ على أنَّ أخبارَ الآحادِ الصَّحيحةِ قد يحصُلُ بتعدُّدِ طُرُقِها تواتُرٌ معنويٌّ؛ بل قد يحصُلُ العِلمُ بخبرِ الآحادِ عِندَ احتفافِه بالقرائِنِ، بل يوجَدُ بَينَ أهلِ العِلمِ من يرى أنَّ أحاديثَ الصَّحيحينِ -غيرَ المنتَقَدةِ- من تلك الأحاديثِ المحتفَّةِ بالقرائِنِ)
[526] ((مقالات الكوثري)) (ص: 135-136). .