- مَثَلُ المُسْلِمِينَ واليَهُودِ والنَّصارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ له عَمَلًا يَوْمًا إلى اللَّيْلِ، علَى أجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا له إلى نِصْفِ النَّهارِ، فقالوا: لا حاجَةَ لنا إلى أجْرِكَ الَّذي شَرَطْتَ لنا، وما عَمِلْنا باطِلٌ، فقالَ لهمْ: لا تَفْعَلُوا، أكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، وخُذُوا أجْرَكُمْ كامِلًا، فأبَوْا، وتَرَكُوا، واسْتَأْجَرَ أجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ، فقالَ لهما: أكْمِلا بَقِيَّةَ يَومِكُما هذا ولَكُما الَّذي شَرَطْتُ لهمْ مِنَ الأجْرِ، فَعَمِلُوا، حتَّى إذا كانَ حِينُ صَلاةِ العَصْرِ، قالا: لكَ ما عَمِلْنا باطِلٌ، ولَكَ الأجْرُ الَّذي جَعَلْتَ لنا فِيهِ، فقالَ لهما: أكْمِلا بَقِيَّةَ عَمَلِكُما، ما بَقِيَ مِنَ النَّهارِ شَيءٌ يَسِيرٌ، فأبَيَا، واسْتَأْجَرَ قَوْمًا أنْ يَعْمَلُوا له بَقِيَّةَ يَومِهِمْ، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَومِهِمْ حتَّى غابَتِ الشَّمْسُ، واسْتَكْمَلُوا أجْرَ الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِما، فَذلكَ مَثَلُهُمْ ومَثَلُ ما قَبِلُوا مِن هذا النُّورِ.
الراوي :
أبو موسى الأشعري
| المحدث :
البخاري
| المصدر :
صحيح البخاري
| الصفحة أو الرقم :
2271
| خلاصة حكم المحدث :
[صحيح]
| التخريج :
أخرجه البخاري (2271)
بعثَ اللهُ تعالَى مُحمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاتمًا لِلأنبياءِ، وجعَلَ رِسالتَه خاتمةَ الرِّسالاتِ، وأمَرَ البشَرَ كافَّةً باتِّباعِه؛ فكانَ لِزامًا على كُلِّ الخَلقِ -ومنهمُ اليهودُ والنَّصارى- اتِّباعُ مِلَّةِ الإسلامِ، ولكنْ أبَى أكثرُ اليهودِ والنَّصارى اتِّباعَه وكَفَروا بما نُزِّلَ عليه، وتَمسَّكُوا بما حَرَّفوه مِن كُتبِهم، فضَرَبَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم وَلِلمسلمينَ هذا المَثَلَ في هذا الحديثِ؛ فمثَّلَ لهم بِرجُلٍ اسْتَأجَرَ قَوْمًا يَقومُون له بعَملٍ إلى اللَّيلِ، وجَعَلَ لهم أجْرًا مَعلومًا على ذلك، فلمَّا عَمِلوا إلى نِصفِ النَّهارِ رَفَضوا أنْ يُكمِلوا عمَلَهم، وقالوا لِمَنِ استَأجَرَهم: لا حاجةَ لنا بأجْرِك، وما عمِلْناه فهو باطلٌ، فكأنه لم يكن، فلا نطلب عليه أجرًا، فقالَ لهم: أَكمِلوا عَمَلَكم وخُذوا أجْرَكم، فرَفَضوا، والمرادُ بهؤلاء القومِ اليهودُ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّهم كَفَروا وتَولَّوا، واسْتغْنَى اللهُ عَنْهُم، وإشارةٌ إلى إحباطِ عَمَلِهم بكُفرِهم بعِيسى عليه السَّلامُ وتَبديلِهم الشَّرائعَ، وأنَّهم حُرِموا تَمامَ أُجْرتِهم؛ لجِنايتِهم بامتناعِهم مِن إتمامِ العَملِ الَّذي ضَمِنوه.
فأتَى الرَّجُلُ بأَجِيرَينِ آخرَينِ، وقال لهما: أكْمِلَا العملَ إلى اللَّيلِ ولكما الأجرُ كاملًا، فعَمِلَا إلى صَلاةِ العَصرِ وقالَا مِثْلَ القومِ الذين سَبَقُوهما، والمرادُ النَّصارى، فجاءَ الرَّجُلُ بِقَومٍ آخَرينَ، وقال لهم: أكْمِلوا عمَلَ السَّابقِينَ إلى اللَّيلِ ولكُم أجْرُهم جَميعًا، ففَعَلُوا واستَكْمَلوا أجْرَ الفَريقينِ كِلَيْهما؛ بإيمانِهم بالأنبياءِ الثَّلاثةِ: محمَّدٍ، وموسَى، وعيسى صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم، والمرادُ بهم المسلِمون.
ثمَّ قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فذلك مَثَلُهم ومَثَلُ ما قَبِلوا مِن هذا النُّورِ»، أي: فذلك مَثَلُ المسلِمينَ ومَثَلُ اليهودِ والنَّصارى في قَبولِ الإسلامِ، ونُورِ الهِدايةِ إلى الحقِّ، فكأنَّ المسلمينَ لمَّا عَمِلوا بما جاء به محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واستَمرُّوا على ذلك إلى يومِ القيامةِ؛ كان لهم أجْرُ مَن عَمِلَ الدَّهرَ كلَّه؛ لأنَّهم أتمُّوا الدَّهرَ بعِبادةِ اللهِ كإتمامِ النَّهارِ الَّذي كان استُؤجِرَ عليه كلِّه أوَّلُ طَبقةٍ مِن اليَهودِ.
وفي الحديثِ: تَفضيلُ اللهِ تعالَى لهذه الأُمَّةِ، وتَوفيرُ أجْرِها مع قِلَّةِ عَملِها.
وفيه: أنَّ الأعمالَ بالخَواتيمِ.
وفيه: ضَرْبُ الأمثالِ للتَّعليمِ والتَّوضيحِ.