- مَثَلُ البَخِيلِ والمُتَصَدِّقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ، عليهما جُبَّتانِ مِن حَدِيدٍ.
وحَدَّثَنا أبو اليَمانِ، أخْبَرَنا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنا أبو الزِّنادِ، أنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ: أنَّه سَمِعَ أبا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَثَلُ البَخِيلِ والمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عليهما جُبَّتانِ مِن حَدِيدٍ مِن ثُدِيِّهِما إلى تَراقِيهِما، فأمَّا المُنْفِقُ فلا يُنْفِقُ إلَّا سَبَغَتْ أوْ وفَرَتْ علَى جِلْدِهِ، حتَّى تُخْفِيَ بَنانَهُ وتَعْفُوَ أثَرَهُ، وأَمَّا البَخِيلُ فلا يُرِيدُ أنْ يُنْفِقَ شيئًا إلَّا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكانَها، فَهو يُوَسِّعُها ولا تَتَّسِعُ تابَعَهُ الحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ، عن طاوُسٍ، في الجُبَّتَيْنِ،
وقالَ حَنْظَلَةُ: عن طاوُسٍ، جُنَّتانِ، وقالَ اللَّيْثُ: حدَّثَني جَعْفَرٌ، عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ، سَمِعْتُ أبا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جُنَّتانِ.
الراوي :
أبو هريرة
| المحدث :
البخاري
| المصدر :
صحيح البخاري
| الصفحة أو الرقم :
1443
| خلاصة حكم المحدث :
[صحيح] [قوله: تابعه الحسن بن مسلم ... معلق وصله في موضع آخر] [قوله: وقال حنظلة ... وقال الليث ... معلق]
| التخريج :
أخرجه البخاري (1443)، ومسلم (1021)
الصَّدقةُ التي يُخرِجُها الإنسانُ مِن مالِه في وُجوهِ البِرِّ بعْدَ القيامِ بحُقوقِ النَّفسِ والعيالِ، بحيثُ لا يَصيرُ المُتصدِّقُ مُحتاجًا بعْدَ صدَقتِه إلى أحدٍ، مِن أفضَلِ الطاعاتِ، وأجَلِّ القُرباتِ عِندَ اللهِ تعالَى، ولها عَواقِبُ حميدةٌ في الدُّنيا والآخِرةِ، كما أنَّ البُخلَ والشُّحَّ على الضدِّ مِن ذلك؛ فعواقِبُه وخيمةٌ في الدُّنيا والآخرةِ.
وفي هذا الحديثِ يَضرِبُ لنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مثَلًا للبَخيلِ والمُتصَدِّقِ، حيثُ شبَّهَهما برَجُلينِ عليهما جُبَّتانِ مَنسوجتانِ مِن الحَديدٍ، والجُبَّةُ مِثلُ العَباءةِ، وهي ما يُلْبَسُ فَوْقَ غَيرِه مِنَ الثِّيابِ، ويكونُ هذا الثَّوبُ مِن ثُدِيِّهِما إلى تَراقيهِما، والتَّرْقُوتانِ عَظْمانِ مُشرِفانِ في أعلى الصَّدرِ إلى جِهةِ النَّحرِ، يَقَعانِ بيْنَ ثُغرةِ النَّحرِ والعاتقِ، وهو إشارةٌ إلى قِصَرِ الجُبَّةِ على المتصَدِّقِ والبخيلِ، فلا يُعطي المنفِقُ عَطاءً إلَّا سبَغَتْ عليه هذه الجُبَّةُ، أي: اتسَعَتْ وطالتْ عليه أوْ «وفَرَتْ على جِلْدِه» وغطَّتْ جسَدَه، «حتَّى تُخْفِيَ بَنانَهُ»، يعني فاستَرسَلَتْ عليه حتَّى سترَتْ جَميعَ بدنِه، والبَنانُ: أطرافُ الأصابعِ، «وتَعْفُوَ أثَرَهُ»، أي: وتَمْحُوَ خُطُواتِه الَّتي يَخطوها، وهذا بَيانٌ لشِدَّةِ طُولِها على صاحِبِها. وأمَّا البخيلُ فكُلَّما رجَع عن الصَّدقةِ وأمسَكَ عن الإنفاقِ ضاقَتْ عليه جُبَّتُه حتَّى تَلْزَقَ كلُّ حَلْقةٍ على جِلدِه، يُحاوِلُ أن يوسِعَها بيَدِه وهي شديدةٌ مُحْكَمةٌ لا تَتَّسِعُ.
والمرادُ: أنَّ الجوَادَ إذا هَمَّ بالصَّدقةِ انفسَح لها صدْرُه، وطابَتْ نفْسُه، فتوسَّعَتْ في الإنفاقِ، والبَخيلَ إذا حدَّثَ نفْسَه بالصَّدقةِ شحَّتْ نفْسُه، فضاق صدرُه، وانقبضَتْ يداه. وقيل: يريدُ أنَّ المُنفِقَ إذا أنفَقَ كفَّرَتِ الصَّدَقةُ ذُنوبَه ومَحَتْها كما أنَّ الجُبَّةَ إذا سبَغَتْ عليه سَتَرَتْه ووَقَتْهُ، والبَخيلَ لا تُطاوِعُه نفْسُه على البَذْلِ، فيبقى غيرَ مُكَفَّرٍ عنه الآثامُ.
وفي الحديثِ: أنَّ المتصَدِّقَ كلَّما بسَط يدَه بالخَيرِ، بسَط اللهُ عليه فضْلَه، حتَّى يُخلِفَ عليه أضعافَ ما يُنفِقُ.
وفي الحديثِ: أنَّ البخيلَ كلَّما قبَض يدَه، ضيَّق اللهُ عليه، وملأ قلبَه خَوفًا مِن الفقرِ، ويأسًا مِن الخلَفِ.