- مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ ، ومَن لا يَغْفِرْ لا يُغْفَرْ له ، ومَن لا يَتُبْ لا يُتَبْ عليه
الراوي :
جرير بن عبدالله
| المحدث :
الألباني
| المصدر :
صحيح الجامع
| الصفحة أو الرقم :
6600
| خلاصة حكم المحدث :
صحيح
أقرَبُ النَّاسِ مِن رَحمْةِ اللهِ تَعالى أرحمُهُم بخَلقِهِ، وهي منَ الأسْبابِ التي تُنالُ بها رَحْمةُ اللهِ سُبحانَهُ، ويَتوبُ اللهُ على مَن تابَ، ويَغفِرُ له الذَّنبَ؛ فإنَّه سُبحانَه وتَعالى واسِعُ الرَّحْمةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن لا يَرحَمْ" فلا يَتعطَّفْ على غيرِه، ولا يَرأَفْ بهم، إنْسانًا كان أو حَيَوانًا، "لا يُرحَمْ"، فلا يَستحِقَّ أنْ يَرحَمَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، والظَّاهِرُ أنَّه إخْبارٌ بأنَّه لا يَرحَمُهُ اللهُ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ دُعاءً، والمَعْنى: أنَّه لا يَكونُ مِن الفائِزينَ بالرَّحْمةِ الكامِلةِ، والسَّابِقينَ إلى دارِ الرَّحْمةِ، وإلَّا فرحْمتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ، والرَّحْمةُ نَوْعانِ:
رَحْمةٌ غَريزيَّةٌ، وقد جبَلَ اللهُ بَعضَ العِبادِ عليها، وجعَلَ في قُلوبِهِم الرَّأْفةَ والحَنانَ والرَّحْمةَ على الخَلْقِ؛ ففَعَلوا بمُقتَضى هذه الرَّحْمةِ ما يَقدِرونَ عليه من نَفْعِهِم بحَسَبِ استِطاعَتِهِم؛ فهُم مَحْمودونَ مُثابونَ على ما قاموا به، مَعْذرونَ على ما عَجَزوا عنه. ورَحْمةٌ مُكتَسبَةٌ بسُلوكِ كُلِّ طريقٍ ووَسيلةٍ تَجعَلُ القَلبَ على هذا الوَصفِ، وهذا مِن أجَلِّ مَكارِمِ الأخْلاقِ وأكمَلِها، وعلى العَبدِ أنْ يُجاهِدَ نفسَهُ على الاتِّصافِ به، وهذه الرَّحْمةُ التي في القُلوبِ تَظهَرُ آثارُها على الجَوارِحِ واللِّسانِ في السَّعيِ في إيصالِ الخَيرِ والمَنافِعِ إلى النَّاسِ، وإزالةِ الأضْرارِ والمَكارِهِ عنهم، "ومَن لا يَغفِرْ" لِغَيرِهِ زلَّاتِهِ وخُصوماتِهِ، "لا يُغفَرْ له" فلا يَستحِقَّ أنْ يَغفِرَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذَنْبَهُ، "ومَن لا يَتُبْ" ومَن لا يَتطلَّبِ التَّوبةَ مِن ذَنْبِهِ الذي اقترَفَهُ، "لا يُتَبْ عليه"، فلا يَستحِقَّ أنْ يَغفِرَ اللهُ له، وأنْ يَتوبَ عليه، فإنَّ اللهَ يُحِبُّ التوَّابينَ، ويَقبَلُ توبةَ التَّائِبينَ.
ودلَّ هذا الحَديثُ بلَفظِهِ وبمَنْطوقِهِ على أنَّ مَن لم يكُنْ رحيمًا لا يَرحَمْهُ اللهُ، وأنَّ عَلامةَ وُجودِ الرَّحْمةِ في القَلبِ أنْ تكونَ مُحِبًّا لِوُصولِ الخَيرِ لكُلِّ الخَلْقِ وللمُؤمِنينَ خُصوصًا، وأنْ تَكرَهَ حُصولَ الشَّرِّ والضَّرَرِ عليهم، ومَن لا يَغفِرْ للنَّاسِ لا يَغفِرِ اللهُ له، ودَلَّ بعَكسِ مَفْهومِهِ أنَّ مَن كان رحيمًا يَرحَمْه اللهُ، ومَن يَغفِرْ للنَّاسِ ويَصفَحْ عنهم يَغفِرِ اللهُ له، ومَن يَستغفِرْ ويَرجِعْ إلى اللهِ؛ فإنَّ اللهَ يَتوبُ عليه.
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على الرَّحْمةِ مع المَخْلوقاتِ.
وفيه: أنَّ كَمالَ الرَّحْمةِ أنْ تَتَعامَلَ مع الخَلْقِ بما يُمليهِ عليك دِينُكَ.
وفيه: أنَّ كاشِفَ وُجودِ الرَّحْمةِ في القَلبِ هو إرادةُ الخَيرِ للخَلْقِ.
وفيه: الحَثُّ على العَفْوِ والمَغفِرةِ مع مَن أساءَ.
وفيه: الحثُّ على التَّوْبةِ والرُّجوعِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ( ).