- أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بالشَّكِّ مِن إبْرَاهِيمَ إذْ قالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، ويَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا؛ لقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، ولو لَبِثْتُ في السِّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ يُوسُفُ، لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ.
الراوي :
أبو هريرة
| المحدث :
البخاري
| المصدر :
صحيح البخاري
| الصفحة أو الرقم :
3372
| خلاصة حكم المحدث :
[صحيح]
| التخريج :
أخرجه مسلم (151) باختلاف يسير
كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعظَمَ النَّاسِ خُلقًا، وأنفَسَهم مَعدِنًا؛ فكان القُدوةَ والمثَلَ الأعظَمَ في هذا الشَّأنِ، ومنها أنْ يَهضِمَ حقَّ نفْسِه لإخوانِه، وأنْ يَتواضَعَ للنَّاسِ أجمعينَ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على سَبيلِ التَّواضُعِ: «نحْن أحَقُّ بالشَّكِّ مِن إبراهيمَ»، وقدْ أرادَ بذلك صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُبالَغةَ في نَفْيِ الشَّكِّ عن نبيِّ اللهِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، أي: إذا كنَّا نحْن لا نَشكُّ في قُدْرةِ اللهِ على إحْياءِ الموتَى، فإبراهيمُ أَوْلَى بعَدمِ الشَّكِّ، وإنَّما سَأَل إبراهيمُ ربَّه أنْ يُرِيَه كَيف يُحْيي الموتى عِيانًا ومُشاهَدةً؛ ليَطْمَئنَّ قَلْبُه، كما قال: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]؛ لأنَّه أَبْلَغُ في اليَقِينِ.
ثمَّ ذكَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَبيَّ اللهِ لُوطًا عندما جاءَه أَضْيافُه، فخافَ عليهم مِن قَومِه فقال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80]، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ويَرْحَمُ اللهُ لُوطًا؛ لقَدْ كان يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ»، أيْ: كيفَ يتَمنَّى أنْ يَجِدَ مُعِينًا وناصرًا يَحْمِي أَضْيافَه مِن قَومِه وقدْ كان يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَديدٍ، وهو اللهُ القَويُّ العزيزُ؟! ولُوطٌ عليه السَّلامُ لم يَغفُلْ عن اللهِ عزَّ وجلَّ، ولم يَترُكِ التَّوكُّلَ عليه، وإنَّما ذكَرَ لُوطٌ عليه السَّلامُ السَّبَبَ، فقال عليه السَّلامُ لَمَّا رأَى إصرارَ قَومِه على طلَبِ الفاحشةِ مِن ضُيوفِه، وعَجَزَ عن ردِّهم: لَيتَ لي أنصارًا وأعوانًا يُعينونَني على رَدِّكم، أو ألْجَأُ وأنضَمُّ إلى عَشيرةٍ تَمنَعُني وتَعصِمُني منكم، فأحُولَ بيْنكم وبيْن ما تُريدونَ مِن ضيوفي. وذِكْرُه عليه السَّلامُ للسَّببِ وحْدَه يَظُنُّ السَّامعُ منه نِسيانَه للهِ عزَّ وجلَّ، فأراد نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قَولِه: «ويَرْحَمُ اللهُ لُوطًا، لقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ» ألَّا نَقولَ ما يُوهِمُ هذا.
ثمَّ ذكَر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَبيَّ اللهِ يُوسفَ عليه السَّلامُ، فقال: «ولو لَبِثْتُ في السِّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ يُوسفُ لأجَبتُ الدَّاعيَ»، أيْ: لَأسرَعتُ إلى الإجابةِ، قال ذلك إعْجابًا بصَبْرِ يُوسفَ عليه السَّلامُ وقُوَّةِ عَزيمتِه، حيثُ قال يُوسفُ لرَسولِ المَلِكِ الَّذي أُرسِلَ إليه ليُخرِجَه مِن السِّجنِ ويَذهَبَ به للمَلِكِ: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: 50]، أي: ارجِعْ إلى سَيِّدِك المَلِكِ، واطلُبْ منه أنْ يَسألَ النِّسوةَ اللَّاتي جَرَحْنَ أيديَهنَّ عن حَقيقةِ أمْرِهنَّ وشَأنِهنَّ معي؛ لتَظهَرَ الحقيقةُ للجميعِ، وتتَّضِحَ براءتي، إنَّ رَبِّي عليمٌ بصَنيعهِنَّ وأفعالِهنَّ، لا يَخفى عليه سُبحانَه شَيءٌ مِن ذلك، وكان قدْ مَكَثَ في السِّجنِ بِضعَ سِنينَ، أي: ما بيْن ثَلاثٍ إلى تِسعِ سَنواتٍ، ومع هذا لمْ يُسارِعْ بالخُروجِ مِن السِّجنِ الطَّويلِ والرَّاحةِ مِن البَليَّةِ العَظيمةِ لأوَّلِ ما أمْكَنَه، بلْ تَثبَّتَ حتَّى تَظهَرَ بَراءتُه، ويَلْقَى الملِكَ غيرَ مُرتابٍ ولا خَجِلٍ ممَّا عَساهُ يقَعُ بقلْبِه ممَّا رُفِعَ عنه؛ أراد أنْ يَخرُجَ خُروجَ مَن قدْ ثَبَتتْ له الحُجَّةُ، لا خُروجَ مَن عُفِيَ عنه.
وفي الحديثِ: بيانُ حُسنِ تَواضُعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: فَضلُ نَبيِّ اللهِ يُوسفَ عليه السَّلامُ والثَّناءُ على صَبْرِه على المصائبِ.
وفيه: بَراءةُ أنبياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ ممَّا قدْ يُتوهَّمُ في حَقِّهم مِن ضَعْفٍ أو قُصورٍ.