- إنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ المَوْتُ، فَلَمَّا يَئِسَ مِنَ الحَياةِ أوْصَى أهْلَهُ: إذا أنا مُتُّ فاجْمَعُوا لي حَطَبًا كَثِيرًا، وأَوْقِدُوا فيه نارًا، حتَّى إذا أكَلَتْ لَحْمِي وخَلَصَتْ إلى عَظْمِي فامْتُحِشَتْ، فَخُذُوها فاطْحَنُوها، ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا راحًا فاذْرُوهُ في اليَمِّ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعهُ اللَّهُ، فقالَ له: لِمَ فَعَلْتَ ذلكَ؟ قالَ: مِن خَشْيَتِكَ، فَغَفَرَ اللَّهُ له. قال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته يقول ذاك، وكان نباشا
الراوي :
حذيفة بن اليمان [وأبو مسعود الأنصاري]
| المحدث :
البخاري
| المصدر :
صحيح البخاري
| الصفحة أو الرقم :
3452
| خلاصة حكم المحدث :
[صحيح]
المؤمنِ الحقُّ هو مَن يُوازِنُ بيْن الخَوفِ والرَّجاءِ، فيُحسِنُ الظَّنَّ باللهِ تعالَى، ومع ذلك لا يَأمَنُ مَكْرَه، بلْ يَسْعى في الجَمعِ بيْن الاثنَينِ حتَّى يَلْقى اللهَ تعالَى.
وفي هذا الحديثِ يَحْكي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قصَّةَ رجُلٍ مِن الأُمَمِ السَّابقةِ، وفي الصَّحيحينِ: «لم يَعمَلْ خَيرًا قطُّ»، وفي رِوايةٍ: أنَّه كان نبَّاشًا للقُبورِ، يَسرِقُ أكفانَ الموتَى، فلمَّا حَضَرَه المَوْتُ، وانقَطَعَ أمَلُه في الحَياةِ، أوْصى أهْلَه أنْ يُحرِقوه بعْدَ مَوتِه قائلًا: إذا أنا مِتُّ فاجْمَعوا لي حَطَبًا كَثيرًا، وأَوقِدوا لي فيه نارًا، وأَلْقوني فيها، حَتَّى إذا أكَلَت النَّارُ لَحْمي ووصَلَتْ إلى عَظْمي، «فامْتُحِشَتْ»، أيْ: احْتَرَقَتْ عِظامي، فَخُذوها -أي: العِظامَ المُتَحَرِّقةَ- فاطْحَنوها، ثمَّ انْتَظِروا يَوْمًا «راحًا»، أي: كَثيرَ الرِّيحِ، فارْمُوا العِظامَ المطحونةَ في البَحْرِ.
فلمَّا مات الرَّجلُ فَعَلوا ما أوْصاهم بِه، فَجَمَعَه اللهُ عزَّ وجلَّ بقُدرتِه، وفي هذا بَيانٌ لعَظيمِ قُدرةِ اللهِ تعالَى، وأنَّه سُبحانَه المُحْيِي، كما أنَّه المُمِيتُ سُبحانَه وتعالَى. فَقالَ له: ما حَمَلَك على ما صَنعْتَ؟ قالَ: مِن خَشْيتِكَ؛ فكان يَخشَى أنَّه إذا رجَعَ إلى اللهِ أنْ يُعذِّبَه بما فعَلَ، وقدْ أفقَدَ الخَوفُ هذا الرَّجلَ رُشدَه، وجَعَلَه يَظُنُّ أنَّ اللهَ تعالَى غيرُ قادرٍ على جَمْعِه مرَّةً أُخرَى! والخَشيةُ هي: الخَوفُ والتَّعظيمُ والإجلالُ، فَتدارَكَتْه رَحمةُ ربِّه عندَ قولِه ذلِكَ، فغَفَرَ اللهُ له.
وفي الحَديثِ: سَعةُ رَحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: فَضيلةُ الخوفِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: التَّربيةُ بالقصَّةِ، والاعتبارُ بأحوالِ السَّابقينَ.