الموسوعة الحديثية


- جاءَ أعرابيٌّ إلى النبيِّ – صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وسلمَ – فقالَ : يا رسولَ اللهِ علمنِي عملًا يدخلنِي الجنةَ ؟ فقال : لئنْ كنتَ أقصرتَ الخطبةَ ، لقد أعرضتَ المسألةَ : اعتقْ النسمةَ وفكَ الرقبةَ فقالَ : يا رسولَ اللهِ : أوَ ليستْ بواحدةٍ ، قال : لا إنَّ عتقَ النسمةِ أن تفردَ بعتقِها ، وفكُ الرقبةِ أن تعينَ في عتقها ، والمنحةُ الوكوفُ والفيءُ على ذي الرحمِ الظالمِ ، فإنْ لمْ تطقْ ذلكَ فأطعمْ الجائعَ ، واسقْ الظمآنَ ، وأمرْ بالمعروفِ ، وانهَ عن المنكرِ ، فإنْ لم تطقْ ذلكَ فكفَّ لسانَك إلا من الخيرِ .
الراوي : البراء بن عازب | المحدث : الوادعي | المصدر : الصحيح المسند | الصفحة أو الرقم : 132 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (18670) واللفظ له، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (69)، وابن حبان (374) باختلاف يسير
الجَنَّةُ دارُ النَّعيمِ المُقيمِ والخُلودِ الأبَديِّ، وفيها السَّعادةُ الدَّائِمةُ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَثيرًا ما يَذكُرُ للصَّحابةِ أوصافَ الجَنَّةِ وما فيها حَتَّى يَتَشَوَّقوا إليها فيَجتَهِدوا في الأعمالِ الصَّالحاتِ، وكان الصَّحابةُ يَحرِصونَ على سُؤالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الأعمالِ التي تُدخِلُهمُ الجَنَّةَ حَتَّى يَعمَلوها ويَجتَهِدوا فيها، وقد جاءَ أعرابيٌّ -والأعرابُ همُ الذينَ يَسكُنونَ الباديةَ- إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسألُه، فقال: يا رَسولَ اللهِ، عَلِّمْني عَمَلًا يُدخِلُني الجَنَّةَ، أي: دُلَّني على عَمَلٍ إذا عَمِلتُه دَخَلتُ به الجَنَّةَ. فقال رَسولُ اللهِ: لَئِن كُنتَ أقصَرتَ الخُطبةَ، أي: الكَلامَ الذي سَألتَ به، لَقد أعرَضتَ المَسألةَ، أي: المَطلوبَ. والمَعنى: أنَّ سُؤالَك قَصيرٌ وجيزٌ، ولَكِنَّ المَسألةَ التي سَألتَ عنها كَبيرةٌ واسِعةٌ؛ لأنَّ الأعمالَ التي تُقَرِّبُ إلى الجَنَّةِ كَثيرةُ الشُّعَبِ، والظَّاهِرُ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجابَ الرَّجُلَ بهذه الخِصالِ واختارَها له؛ لأنَّه تَوسَّمَ فيه أنَّ حاجَتَه إليها أمَسُّ مِن غَيرِها، على أنَّ هذا الجَوابَ مِن جَوامِعِ الكَلمِ يَنتَفِعُ به كُلُّ إنسانٍ. ثُمَّ ذَكَرَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعضَ الأعمالِ التي تُدخِلُ الجَنَّةَ، فقال: أعتِقِ النَّسَمةَ. وهيَ النَّفسُ والرُّوحُ، أي: أعتِقْ ذاتَ الرُّوحِ، وكُلُّ دابَّةٍ فيها رُوحٌ فهيَ نَسَمةٌ، وإنَّما يُريدُ بَني آدَمَ. وفُكَّ الرَّقَبةَ، أي: أعِنْ في عِتقِها. فقال الأعرابيُّ: يا رَسولَ اللهِ: أو لَيسَت بواحِدةٍ؟ أي: ألَيسَ عِتقُ النَّسَمةِ وفكُّ الرَّقَبةِ بمَعنًى واحِدٍ؟ فقال رَسولُ اللهِ: لا، أي: لَيسا بواحِدٍ، إنَّ عِتقَ النَّسَمةِ أن تُفرَدَ بعِتقِها، أي: أن تَكونَ مِلكًا لَك فتُعتِقَها ولا يُشارِكَك فيها أحَدٌ. وفَكُّ الرَّقَبةِ أن تُعينَ في عِتقِها، أي: أن تُشارِكَ غَيرَك في عِتقِها، ومِن ذلك أن يُكاتِبَ السَّيِّدُ عَبدَه على قدرٍ مَعلومٍ مِنَ المالِ في نَظيرِ عِتقِه، وليس مَعَ العَبدِ شَيءٌ، فيُستَحَبُّ لأهلِ الخَيرِ أن يُعينوه على أداءٍ ما فُرِضَ عليه ولَو مِنَ الزَّكاةِ؛ لتَخليصِه مِنَ الرِّقِّ. والمِنحةُ الوَكوفُ، أي: ومِنَ الخِصالِ التي تُدخِلُ الجَنَّةَ أن تُعطيَ المِنحةَ الوَكوفَ، والمِنحةُ: العَطيَّةُ، والمُرادُ هنا مِنحةُ اللَّبَنِ، وهو أن يُعطيَه ناقةً أو شاةً يَنتَفِعُ بلَبَنِها ويَرُدُّها. والوَكوفُ أي: غَزيرةَ اللَّبَنِ، وقيلَ: التي لا يَنقَطِعُ لبَنُها سَنَتَها جَميعَها، وهو مِن وكَفَ البَيتُ والدَّمعُ: إذا تَقاطَرَ. والمَعنى: أنَّ مِنحةَ النَّاقةِ أوِ الشَّاةِ الوَكوفَ تُقرِّبُ مِنَ الجَنَّةِ. والفَيءُ، أي: الرُّجوعُ على ذي الرَّحِمِ الظَّالِمِ، أي: الرُّجوعُ إليه بالإحسانِ والعَطفِ عليه مُقَرِّبٌ إلى الجَنَّةِ، وإنَّما كان ذلك كذلك؛ لأنَّ الظُّلمَ مِن شَأنِه قَطعُ حَبلِ المَودَّةِ والعَطفِ، فإذا عَطَف عليه لكَونِه ذا رَحِمٍ، مُراعيًا بذلك وَجهَ اللهِ تعالى غَيرَ ناظِرٍ إلى ظُلمِه، كان ذلك سَبَبًا في دُخولِه الجَنَّةَ. ثُمَّ أخبَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بَعضِ الأعمالِ الأُخرى إذا كان لا يَستَطيعُ تلك الأعمالَ، فقال: فإن لَم تُطِقْ ذلك، أي: إن لَم تَستَطِعْ فِعلَ تلك الأعمالِ، فأطعِمِ الجائِعَ، أي: فعليك بإطعامِ الجائِعِ، واسقِ الظَّمآنَ، أي: العَطشانَ، وأْمُرْ بالمَعروفِ. وانْهَ عنِ المُنكَرِ. فإن لَم تُطِقْ ذلك، أي: إن لَم تَستَطِعْ أيضًا فِعلَ هذه الخِصالِ، فكُفَّ لسانَك إلَّا مِنَ الخَيرِ، أي: احفَظْ وامنَعْ لِسانَك مِنَ الكَلامِ إلَّا في الخَيرِ.
وفي الحَديثِ حِرصُ الصَّحابةِ على الخَيرِ.
وفيه بَيانُ بَعضِ الأعمالِ التي تُدخِلُ الجَنَّةَ.
وفيه تَنويعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للأعمالِ الموصِلةِ إلى الجَنَّةِ.
وفيه فَضلُ عِتقِ الرِّقابِ.
وفيه فضيلةُ صِلةِ الرَّحِمِ الظَّالمِ.
وفيه فَضلُ إطعامِ الطَّعامِ.
وفيه فَضلُ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ.
وفيه أهَمِّيَّةُ حِفظِ اللِّسانِ إلَّا مِن خَيرٍ .
تم نسخ الصورة