الموسوعة الحديثية


- لمَّا أُسْريَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَسجِدِ الأقْصى أصبَحَ يَتحدَّثُ النَّاسُ بذلك، فارتَدَّ ناسٌ ممَّن كانوا آمَنوا به وصَدَّقوه، وسعَوْا بذلك إلى أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقالوا: هل لكَ إلى صاحِبِكَ يَزعُمُ أنَّه أُسْريَ به اللَّيلةَ إلى بَيتِ المَقدِسِ، قالَ: أو قالَ ذلك؟ قالوا: نعمْ، قالَ: لَئنْ كانَ قالَ ذلك لقد صدَقَ، قالوا: وتُصدِّقُه أنَّه ذهَبَ اللَّيلةَ إلى بَيتِ المَقدِسِ وجاءَ قبلَ أنْ يُصبِحَ؟ قالَ: نعمْ، إنِّي لأُصدِّقُه فيما هو أبعَدُ من ذلك، أُصدِّقُه بخَبرِ السَّماءِ في غَدْوةٍ أو رَوْحةٍ؛ فلذلك سُمِّيَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقَ.
الراوي : عائشة | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين | الصفحة أو الرقم : 4461 | خلاصة حكم المحدث : صحيح الإسناد
جيلُ الصَّحابةِ خَيرُ القُرونِ، وهم أيضًا خَيرُ هذه الأمَّةِ؛ وذلك لِما قاموا به من نُصرةِ هذا الدِّينِ والصَّبرِ على الأذى في سَبيلِه، وكانوا سَبَّاقينَ في كُلِّ خَيرٍ، ومن خيارِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بل أفضَلُهم على الإطلاقِ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه، فله منَ المَناقِبِ والفضائِلِ الشَّيءُ الكَثيرُ، وكان رَضيَ اللهُ عنه مِن أوائِلِ السَّبَّاقينَ للإسلامِ، وتَصديقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما جاءَ به، وقد جاءَ في سَبَبِ تَلقيبِه بالصِّدِّيقِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا أُسرِي به مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إلى المَسجِدِ الأقصى. والسُّرى: هو السَّيرُ باللَّيلِ، وكان ذلك في لَيلةٍ واحِدةٍ، أصبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بذلك، أي: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ النَّاسَ بما وقَعَ له في تلك اللَّيلةِ، فصارَ النَّاسُ يَتَحَدَّثونَ بهذه القِصَّةِ ويَنشُرونَها مُستَغرِبينَ ومُتَعَجِّبينَ مِن هذا الأمرِ؛ إذ كَيف يَذهَبُ إلى المَسجِدِ الأقصى في لَيلةٍ واحِدةٍ، والنَّاسُ يُسافِرونَ إلى المَسجِدِ الأقصى في أكثَرَ مِن شَهرٍ ذَهابًا ومِثلِه رُجوعًا؟! ولهذا لمَّا سَمعَ ناسٌ بهذه الحادِثةِ ارتَدَّ ناسٌ مِمَّن كانوا آمَنوا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصَدَّقوه، أي: كَفَروا ورَجَعوا عنِ الدِّينِ لضَعفِ إيمانِهم، ولأنَّ عُقولَهم لَم تَستَوعِبْ مِثلَ هذا الأمرِ، ثُمَّ سَعى النَّاسُ بهذا الخَبَرِ إلى أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، أي: حَتَّى يَنظُروا ماذا سَيَقولُ أبو بَكرٍ، وهَل سَيُنكِرُ هذا الأمرَ ويَرتَدُّ أم لا؟ فقالوا له: هَل لَك إلى صاحِبِك؟! أي: النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَزعُمُ أنَّه أُسريَ به اللَّيلةَ إلى بَيتِ المَقدِسِ! والمَعنى: انظُرْ ماذا يَقولُ صاحِبُك ويُحَدِّثُ به النَّاسَ مِن أنَّه ذَهَبَ إلى بَيتِ المَقدِسِ ورَجَعَ في لَيلةٍ واحِدةٍ! فقال لَهم أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: أوَ قال ذلك؟ أي: هَل حَقًّا قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك؟ فقالوا له: نَعَم، أي: أجَلْ قال ذلك. فقال أبو بَكرٍ: لَئِن كان قال ذلك لَقد صَدَقَ! أي: إذا أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا الخَبَرِ فهو صادِقٌ فيما قاله. فقالوا لأبي بَكرٍ: وتُصَدِّقُه أنَّه ذَهَبَ اللَّيلةَ إلى بَيتِ المَقدِسِ وجاءَ قَبلَ أن يُصبحَ؟! أي: هَل تُصَدِّقُه بهذا الخَبَرِ العَجيبِ؟! فقال أبو بَكرٍ: نَعَم، إنِّي لأُصَدِّقه فيما هو أبعَدُ مِن ذلك، أي: أنا أُصَدِّقُه بأخبارٍ هيَ أشَدُّ وأعظَمُ مِن هذا الخَبَرِ التي تذكُرونَه، فإنِّي أصَدِّقُه بخَبَرِ السَّماءِ، أي: بأنَّ الوحيَ يَأتي إلَيه في غَدوةٍ. وهيَ ما بَينَ صَلاةِ الفَجرِ وطُلوعِ الشَّمسِ، أو رَوحةٍ. وهو مِن وقتِ الزَّوالِ إلى اللَّيلِ. والمَعنى -واللهُ أعلَمُ-: أنَّ المَسافةَ مِنَ الأرضِ إلى السَّماءِ أبعَدُ جِدًّا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إلى المَسجِدِ الأقصى، فإذا كُنتُ أُصَدِّقُه بخَبَرِ السَّماءِ مَعَ بُعدِ المَسافةِ فخَبَرُ ذَهابِه إلى المَسجِدِ الأقصى أيسَرُ وأسهَلُ مِن ذلك؛ فلذلك سُمِّيَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ، أي: بسَبَبِ تَصديقِ أبي بَكرٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حادِثةِ الإسراءِ بدونِ تَرَدُّدٍ ولا شَكٍّ سُمِّيَ الصِّدِّيقَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي الحَديثِ إثباتُ حادِثةِ الإسراءِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه ارتِدادُ جَماعةٍ مِمَّن أسلمَ بَعدَ حادِثةِ الإسراءِ.
وفيه بَيانُ فَضلِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه وقوَّةِ إيمانِه وثَباتِه.
وفيه بَيانُ سَبَبِ تَسميةِ أبي بَكرٍ بالصِّدِّيقِ .
تم نسخ الصورة