- كانَا رجلانِ في بني إسرائيلَ مُتواخيينِ فكانَ أحدُهما يذنِبُ والآخَرُ مجتهدٌ في العبادةِ فكانَ لا يزالُ المُجتهدُ يرى الآخرَ على الذَّنبِ فيقولُ أقصِر فوجدَهُ يومًا على ذنبٍ فقالَ لهُ أقصِر فقالَ خلِّني وربِّي أبُعِثتَ عليَّ رقيبًا فقالَ واللَّهِ لا يغفرُ اللَّهُ لكَ أو لا يدخلُكَ اللَّهُ الجنَّةَ فقبضَ أرواحَهما فاجتمعا عندَ ربِّ العالمينَ فقالَ لهذا المُجتهدِ أكنتَ بي عالِمًا أو كنتَ على ما في يدي قادِرًا وقالَ للمذنبِ اذهب فادخلِ الجنَّةَ برحمتي وقالَ للآخرِ اذهبوا بهِ إلى النَّارِ قالَ أبو هريرةَ والَّذي نفسي بيدِهِ لَتكلَّمَ بكلمةٍ أوبَقت دنياهُ وآخرتَهُ
الراوي :
أبو هريرة
| المحدث :
الوادعي
| المصدر :
الصحيح المسند
| الصفحة أو الرقم :
1302
| خلاصة حكم المحدث :
حسن
| التخريج :
أخرجه أبو داود (4901) واللفظ له، وأحمد (8292)
مِن عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ عَدَمُ الحُكمِ على الآخَرينَ والشَّهادةِ لهم بجَنَّةٍ أو نارٍ إلَّا مَن جاءَ النَّصُّ عليه بذلك؛ فالحُكمُ بدُخولِ الجَنَّةِ أو دُخولِ النَّارِ حَقٌّ خالِصٌ للهِ تعالى لا يُشارِكُه أو يُنازِعُه فيه أحَدٌ، ومَن تَجَرَّأ على ذلك فقد أوقعَ نَفسَه في خَطَرٍ عَظيمٍ قد يُؤَدِّي به إلى الهَلاكِ، وفي هذا الحَديثِ يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِصَّةَ رَجُلَينِ مِن بَني إسرائيلَ كانا متواخِيَينِ، أي: في اللهِ تعالى، لا في النَّسَبِ، فكان بَينَهما رُفقةٌ وصَداقةٌ، فكان أحَدُهما يُذنِبُ، أي: يَقتَرِفُ المَعاصيَ والسَّيِّئاتِ، والآخَرُ مُجتَهِدٌ في العِبادةِ، أي: مواظِبٌ على عِبادةِ اللهِ تعالى، فكان لا يَزالُ المُجتَهدُ في العِبادةِ يَرى الآخَرَ على الذَّنبِ، أي: يَرى صاحِبَه مُصِرًّا على اقتِرافِ الذُّنوبِ والمَعاصي، فيَنصَحُه ويَقولُ له: أقصِرْ. مِنَ الإقصارِ، وهو الكَفُّ عنِ الشَّيءِ. والمَعنى: أمسِكْ عنِ الذَّنبِ واترُكْه. فلَم يَقبَلْ مِنه، فوجَدَه يَومًا على ذَنبٍ، أي: وجَدَ المُجتَهِدُ في العِبادةِ المُقَصِّرَ والعاصيَ واقِعًا في الذَّنبِ، فقال له: أقصِرْ، أي: كُفَّ وامتَنِعْ مِنَ المَعاصي، فقال المُقَصِّرُ: خَلِّني ورَبِّي، أي: اترُكْني؛ فإنَّ رَبِّي يَغفِرُ الذَّنبَ ويَقبَلُ التَّوبَ، أبُعِثتَ، أي: أبعَثَك اللَّهُ عليَّ رَقيبًا، أي: موكَّلًا بي تَرصُدُني في أفعالي وأقوالي، بَلِ الرَّقيبُ عَليَّ وعليك وعلى كُلِّ شَيءٍ اللَّهُ تعالى، فغَضِبَ الرَّجُلُ المُجتَهدُ في العِبادةِ مِن صاحِبِه، فقال له: واللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لَك، أو لا يُدخِلُك اللهُ الجَنَّةَ، أي: تَألَّى هذا المُجتَهِدُ على رَحمةِ اللهِ بعِبادِه، وأقسم أنَّ اللَّهَ لا يُدخِلُ ذلك المُقَصِّرَ الجَنَّةَ ولا يَغفِرُ له. فقَبَضَ أرواحَهما، أي: ماتَ كُلٌّ مِنَ المُجتَهدِ والمُقَصِّرِ، فاجتَمَعا عِندَ رَبِّ العالَمينَ، أي: بَينَ يَدَيه للحِسابِ، فقال اللهُ لهذا المُجتَهدِ: أكُنتَ بي -أي: حينَ قُلتَ ما قُلتَ- عالِمًا، بأنِّي لا أغفِرُ له، وأنا الغَفورُ الرَّحيمُ، أو كُنتَ على ما في يَدي قادِرًا، أي: على أنِّي لا أُدخِلُه الجَنَّةَ. وهذا إنكارٌ مِنَ اللهِ تعالى على المُجتَهدِ فيما حَكَمَ به على المُذنِبِ بعَدَمِ دُخولِه الجَنَّةَ، أو أنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ له؛ لأنَّ هذا حَقٌّ خالِصٌ للهِ تعالى. ثُمَّ قال اللهُ للمُذنِبِ: اذهَبْ فادخُلِ الجَنَّةَ برَحمَتي، أي: قد غَفرتُ لك. وقال للآخَرِ، أي: المُجتَهِدِ في العِبادةِ: اذهَبوا به إلى النَّارِ. وإنَّما كان ذلك جَزاءه؛ لأنَّه قَطَع وجَزَم بأنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ للمُذنِبِ، فكَأنَّه حَكم عِلمَ اللَّهِ وحَجَر عليه، وبَغى بتَجاوُزِ الحُدودِ حينَ قَطَع بأنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ للمُذنِبِ. قال أبو هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: والذي نَفسي بيَدِه، لَتَكَلَّمَ، أي: المُجتَهدُ، بكَلِمةٍ -وهيَ قَولُه: واللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لَك، أو لا يُدخِلُك الجَنَّةَ أبَدًا- أوبَقَت دُنياه وآخِرَتَه، أي: أهلَكَت وأفسَدَت عليه تلك الكَلِمةُ ما سَعى في الدُّنيا وحَظَّ الآخِرةِ. والمَعنى: أنَّه خَسِرَ أعمالَه الصَّالِحةَ في الدُّنيا، وكان مَصيرُه في الآخِرةِ إلى النَّارِ.
وفي الحَديثِ الحَذَرُ مِن تَنفيرِ النَّاسِ مِنَ الدِّينِ.
وفيه أهَمِّيَّةُ الرِّفقِ في الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ.
وفيه خُطورةُ الجَهلِ بالأحكامِ الإلَهيَّةِ.
وفيه ضَرورةُ التَّأدُّبِ مَعَ اللهِ في الأقوالِ والأفعالِ.
وفيه عَدَمُ الأمنِ مِن مَكرِ اللَّهِ.
وفيه عَدَمُ اليَأسِ مِن رَحمةِ اللهِ.
وفيه أنَّ أصحابَ المَعاصي تَحتَ مَشيئةِ اللهِ؛ إن شاءَ غَفرَ لهم، وإن شاءَ عَذَّبَهم .