- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ ابْتاعَ فَرَسًا مِن أعْرابيٍّ، فاسْتَتْبَعَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ ليَقْضيَه ثَمَنَ فَرَسِه، فأَسرَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ المَشْيَ، وأَبطَأَ الأعْرابيُّ فطَفِقَ رِجالٌ يَعْتَرِضونَ الأعْرابيَّ فيُساوِمونَه بالفَرَسِ، ولا يَشعُرونَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ ابْتاعَه، فنادى الأعْرابيُّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ، فقالَ: إن كُنْتَ مُبْتاعًا هذه الفَرَسَ وإلَّا بِعْتُه، فقامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ حينَ سَمِعَ نِداءَ الأعْرابيِّ، فقالَ: أوَليس قد ابْتَعْتُه مِنك؟ قالَ الأعْرابيُّ: لا واللهِ ما بِعْتُكه، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ: بَلى، قد ابْتَعْتُه مِنك، فطَفِقَ الأعْرابيُّ يقولُ: هَلُمَّ شَهيدًا، فقالَ خُزَيْمةُ بنُ ثابِتٍ: أنا أَشهَدُ أنَّك قد بايَعْتَه، فأَقبَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ على خُزَيْمةَ، فقالَ: بِمَ تَشهَدُ؟ فقالَ: بتَصْديقِك يا رَسولَ اللهِ، فجَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ شَهادةَ خُزَيْمةَ بشَهادةِ رَجُلَينِ.
الراوي :
عم عمارة بن خزيمة
| المحدث :
الوادعي
| المصدر :
الصحيح المسند
| الصفحة أو الرقم :
1512
| خلاصة حكم المحدث :
صحيح
| التخريج :
أخرجه أبو داود (3607) واللفظ له، والنسائي (4647)، وأحمد (21883) باختلاف يسير
الصَّحابةُ خَيرُ القُرونِ؛ فهمُ الذينَ ناصَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ووقَفوا مَعَه، وكانوا يُقدِّمونَ أنفُسَهم دونَ نَفسِه؛ ولهذا أثنى اللهُ تعالى عليهم، وأثنى عليهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولِبَعضِهم مَناقِبُ ومَزايا يَتَمَيَّزُ بها عن غَيرِه، خَصَّه بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن ذلك الصَّحابيُّ الجَليلُ خُزَيمةُ بنُ ثابِتٍ رَضِيَ اللهُ عنه؛ فقد جَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَهادَتَه بشَهادةِ رَجُلَينِ، وسَبَبُ ذلك ما جاءَ في هذا الحَديثِ، وهو أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابتاعَ، أي: اشتَرى فرَسًا مِن أعرابيٍّ، أي: مِن رَجُلٍ مِنَ الأعرابِ، فاستَتبَعَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: طَلَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الأعرابيِّ أن يَتبَعَه حتَّى يَقضيَه ويُعطيَه ثَمَنَ فرَسِه. فأسرَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَشيَ، وأبطَأ الأعرابيُّ، أي: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَمشي مُسرِعًا، والأعرابيُّ يَمشي ببُطءٍ، فطَفِقَ، أي: جَعَلَ وأخَذَ رِجالٌ يَعتَرِضونَ الأعرابيَّ، أي: يَحولونَ بَينَه وبَينَ اللَّحاقِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويُساوِمونَه بالفَرَسِ، أي: يُبايِعونَه في ثَمَنِ الفرَسِ يُريدونَ أن يَشتَروه مِنه، ولا يَشعُرونَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابتاعَه، أي: لا يَعلَمونَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدِ اشتَرى الفرَسَ مِن هذا الأعرابيِّ، والنَّهيُ عنِ السَّومِ على سَومِ الغَيرِ بَعدَ استِقرارِ البَيعِ إنَّما يَتَعَلَّقُ بمَن عَلِمَ؛ لأنَّ العِلمَ شَرطُ التَّكليفِ، ولَعَلَّ الأعرابيَّ وجَدَ أنَّ هؤلاء الرِّجالَ زادوا له في ثَمَنِ الفرَسِ؛ ولِهذا نادى الأعرابيُّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: إن كُنتَ مُبتاعًا هذا الفرَسَ وإلَّا بِعْتُه، أي: إذا كُنتَ مُستَمِرًّا في شِراءِ هذا الفرَسِ فاشتَرِه، وإلَّا فإنِّي أريدُ بَيعَه لهؤلاء الرِّجالِ. فقامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ سَمِعَ نِداءَ الأعرابيِّ، أي: وقَف صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والتَفتَ إلى الأعرابيِّ، وقال له: أولَيسَ قدِ ابتَعتُه مِنك؟ أي: يَسألُه سُؤالَ مُستَنكِرٍ له، لماذا تَسألُ هذا السُّؤالَ وأنا قدِ اشتَرَيتُ مِنك الفرَسَ وحَصَلَ الإيجابُ والقَبولُ، وطَلَبتُ مِنك أن تَتبَعَني حتَّى أعطيَك ثَمَنَه. فأنكَرَ الأعرابيُّ أنَّه باعَه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: لا واللَّهِ ما بِعتُكَه، أي: أُقسِمُ باللهِ أنِّي ما بِعتُه لَك! وقيلَ: إنَّ وجهَ إنكارِ هذا الأعرابيِّ البَيعَ وحَلِفِه أنَّ بَعضَ المُنافِقينَ كان حاضِرًا وأمرَه بإنكارِ البَيعِ، وأعلَمَه أنَّ البَيعَ لَم يَقَعْ صَحيحًا؛ فلَيسَ عليك إثمٌ في الحَلِفِ على أنَّك ما بِعتَه، فاعتَقدَ صِحَّةَ كَلامِه إذ لم يَظهَرْ له نِفاقُه ولا شَعرَ به. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بَلى، قدِ ابتَعتُه مِنك، أي: بَل إنِّي قدِ اشتَرَيتُه مِنك. فطَفِقَ، أي: جَعَلَ وأخَذَ الأعرابيُّ يَقولُ: هَلُمَّ شَهيدًا، أي: أحضِرْ شاهدًا يَشهَدُ أنِّي بِعتُ الفرَسَ لَك. فقال خُزَيمةُ بنُ ثابِتٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنا أشهَدُ أنَّك قد بايَعتَه، أي: أنا شاهدٌ أيُّها الأعرابيُّ بأنَّك قد بِعتَ هذا الفرَسَ لرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فأقبَلَ، أي: التَفتَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على خُزَيمةَ، وقال له: بمَ تَشهَدُ؟ أي: كَيف تَشهَدُ أو ما دَليلُ شَهادَتِك يا خُزَيمةُ وأنتَ لَم تَكُنْ حاضِرًا وَقتَ شِرائي هذا الفرَسَ مِنَ الأعرابيِّ؟ فقال خُزَيمةُ: بتَصديقِك يا رَسولَ اللهِ، أي: لعِلمي أنَّك لا تَقولُ إلَّا حَقًّا، وقد أوجَبَ اللهُ علينا تَصديقَك في كُلِّ ما جِئتَ به. وفي رِوايةٍ أنَّه قال: أنا أُصَدِّقُك بخَبَرِ السَّماءِ، ولا أُصَدِّقُ بما تَقولُ! وقال: لأنِّي أعلَمُ أنَّك لا تَقولُ إلَّا حَقًّا، قد أمِنَّاك على أفضَلَ مِن ذلك؛ على دينِنا. فعِندَ ذلك جَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَهادةَ خُزَيمةَ بشَهادةِ رَجُلَينِ، أي: تَعدِلُ شَهادةَ رَجُلَينِ، وهذا مِن خَصائِصِ خُزَيمةَ رَضِيَ اللهُ عنه، لا يَتَعَدَّى حُكمُها إلى غَيرِه.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ شِراءِ الحاكِمِ مِن أحَدِ رَعيَّتِه.
وفيه بَيانُ تَواضُعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه مَشروعيَّةُ شِراءِ المُشتَري السِّلعةَ وإن لَم يَكُنِ الثَّمَنُ حاضِرًا، بَل في البَيتِ أو ليَستَلِفَه مِن شَخصٍ.
وفيه مَشروعيَّةُ تَأخيرِ الثَّمَنِ.
وفيه المُسارَعةُ إلى أداءِ الواجِبِ لآدَميٍّ.
وفيه بَيانُ جَفاءِ الأعرابِ.
وفيه مَنقَبةٌ وفَضيلةٌ لخُزَيمةَ بنِ ثابِتٍ رَضِيَ اللهُ عنه .