- كُنْتُ نازِلًا علَى عائِشَةَ فاحْتَلَمْتُ في ثَوْبَيَّ فَغَمَسْتُهُما في الماءِ، فَرَأَتْنِي جارِيَةٌ لِعائِشَةَ فأخْبَرَتْها فَبَعَثَتْ إلَيَّ عائِشَةُ فقالَتْ: ما حَمَلَكَ علَى ما صَنَعْتَ بثَوْبَيْكَ؟ قالَ قُلتُ: رَأَيْتُ ما يَرَى النَّائِمُ في مَنامِهِ، قالَتْ: هلْ رَأَيْتَ فِيهِما شيئًا؟ قُلتُ: لا، قالَتْ: فلوْ رَأَيْتَ شيئًا غَسَلْتَهُ لقَدْ رَأَيْتُنِي وإنِّي لأَحُكُّهُ مِن ثَوْبِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يابِسًا بظُفُرِي.
الراوي :
عائشة أم المؤمنين
| المحدث :
مسلم
| المصدر :
صحيح مسلم
| الصفحة أو الرقم :
290
| خلاصة حكم المحدث :
[صحيح]
حَرَصَ الإسلامُ على طهارةِ جَسدِ المُسلِمِ ونظافةِ ثيابِه، وراعَى في ذلك أن يَرفَعَ الحَرَجَ والمَشقَّةَ التي قد تَقَعُ للإنسانِ دُونَ قصدٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ شِهابٍ الخَولانيُّ أنَّه نَزَلَ ذاتَ مَرَّةٍ ضَيفًا على عائشةَ أمِّ المؤمِنينَ رَضيَ اللهُ عنها، في أحدِ الأماكنِ التي تَخصُّها والمُعَدَّةِ لطُلَّابِ العِلمِ وللضِّيوفِ الذين يَفِدُونَ عليها ولإكرامِهم ونومِهم إذا باتوا، بما يَحفَظُ للضَّيفِ وللمُضيفِ الحِفاظَ على الحُرُماتِ، وقد كانَ يَأتيها -باستِمرارٍ- ضُيوفٌ يَسألونَها ويَتعلَّمونَ منها، ويَكونُ بينَها وبينَهم حِجابٌ وساترٌ.
ويُخبِرُ عبدُ اللهِ أنَّه لمَّا نامَ احتلمَ في ثوبِه، وفي هذا إشارةٌ لالتِصاقِ المَنيِّ بالثَّوبِ، وسيأتي أنَّه لم يَرَ في الثَّوبِ آثارًا للمَنيِّ، فلمَّا استيقظَ عبدُ اللهِ غَمَرَ ثيابَه الَّتي احتَلَمَ فيها في الماءِ؛ لكي يُنَقِّيَها من آثارِ المَنيِّ، فرأته جاريةٌ لعائشَةَ وهو يَضَعُ الثِّيابَ في الماءِ، فأخبَرَتِ الجاريةُ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها بما رأت من فِعلِ عبدِ اللهِ بنِ شِهابٍ، وفي روايةِ التِّرمذيِّ: «فأمَرَت له بمِلحَفةٍ صَفراءَ، فنامَ فيها، فاحتلَمَ، فاستحَيَا أنْ يُرسِلَ بها وبها أثرُ الاحتلامِ، فغمَسَها في الماءِ، ثُمَّ أرسَلَ بها»، وفي هذا دليلٌ على أنَّه كانَ في مكانٍ آخَرَ غَيرِ الذي كانت فيه أمُّ المؤمِنينَ لا كما يزعُم من يتهمونها زورًا وبهتانًا، فبَعَثَت إليه عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها، فسألَته عن سَببِ غَمسِ ثَوبِه في الماءِ، فأجابَها عبدُ اللهِ بقولِه: «رأيْتُ ما يَرى النَّائِمُ في مَنامِه»، أيِ: احتَلَمتُ، وأنَّه استحَيَا أن يُرسِلَه وعليه أثرُ المَنيِّ، قالت عائشةُ: «هلْ رأيتَ فيهما شَيئًا؟» من أثرِ المَنيِّ قالَ: لا، وهذا يَدلُّ على أنَّه ربَّما لم يُنزِل مَنيًّا في الثوبِ، قالت: «فلوْ رأيْتَ شَيئًا غَسَلْتَه» أي: أكُنتَ غاسِلَه لو نَزَلَ ورأيتَه؟ وهذا استفهامٌ إنكاريٌّ، ومَعناه أنَّه يُمكِنُه ألَّا يَغسِلَه إذا كانَ جافًّا، ثُمَّ أخبرتَه أنَّها كانت تَحُكُّ المَنيَّ وتَفرُكُه بظُفُرِها من ثَوبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يابِسًا وليسَ رَطبًا، وهذا إشارةٌ منها إلى إقرارِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لفِعلِها.
والحكايةُ كلُّها تَدلُّ على أنَّ أمَّ المؤمِنينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها الطَّاهرة المطهَّرة والمبرَّأة من فوق سبْعِ سماوات كانت تُعلِّمُ التَّابِعينَ ومَن جاءَها أحكامَ الدِّينِ، وخاصَّةً إذا رأت ما يَستدعي ذلك مِثلَ تِلك الواقِعةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ مِنَ الأدبِ أن يُعَرَّضَ بالكلامِ فيما يَخدِشُ الحياءَ؛ رِعايةً لِحقِّ السَّامِعِ.
وفيه: عدمُ تَكلُّفِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَلبَسِ.
وفيه: خِدمةُ المرأةِ زوجَها في غَسلِ ثيابِه وشَبَهِه.