الموسوعة الحديثية


- نَهَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن بَيْعِ ضِرَابِ الجَمَلِ، وَعَنْ بَيْعِ المَاءِ وَالأرْضِ لِتُحْرَثَ، فَعَنْ ذلكَ نَهَى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1565 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
هُناك مِن الموارِدِ الطَّبيعيَّةِ الَّتي لا غِنَى للإنسانِ عنها، والَّتي يَنتفِعُ بها الجميعُ، وإنْ غابَتْ عنه هَلَكَ؛ فلذلك جُعِلتْ مَشاعًا للمُسلِمينَ، وكذلك قدْ يَملِكُ الإنسانُ ما لا غِنى لغيرِه عنه، وقدْ يَملِكُ ما لا جُهدَ له فيه، وما مَنَحه اللهُ له، وقدْ يَفِيضُ هذا عمَّا يَحتاجُه، فيكونُ مِن مكارمِ الأخلاقِ بذْلُ هذا الفائضِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ جابِرُ بنُ عبدِ الله رَضِي اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم نَهى عَن بَيعِ ضِرابِ الجَملِ، وعندَ البُخاريِّ عن ابنِ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما قال: «نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن عَسْبِ الفَحلِ»، وهو الأجرُ الَّذي يُؤخَذُ على تَلْقيحِ الذَّكَرِ مِن كلِّ حَيوانٍ؛ فَرَسًا كان، أو جَمَلًا، أو تَيسًا، أو غيرَ ذلك، وصُورتُه: أنْ يُعطيَ أحدٌ فَحْلَه لِغيرِه ممَّنْ يَملِكُ إِناثًا، فيُبقِيَه عندَه حتَّى يُلَقِّحَ الإناثَ مُقابلَ أجْرٍ يَأخُذُه على ذلك، أو يَأتِيَ مالِكُ الإناثِ بها إلى صاحبِ الفحْلِ ويَترُكَها عندَه، وقَدْ نَهى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن ذلك؛ قيل: لأنَّه مَجهولٌ لا يُدرَى أيُنتفَعُ به أوْ لا، وقدْ لا يُنزِلُ، فلا يُستفادُ منه، وقد تُلقَّحُ الأنثى وقدْ لا تُلقَّحُ، فهو أمرٌ مَظنونٌ، والغَررُ فيه مَوجودٌ، أو يُحمَلُ النَّهْيُ على الحثِّ على مَكارمِ الأخلاقِ والنَّدبِ إلى إعارتِه دونَ مُقابِلٍ؛ لِيَكثُرَ التَّناسُلُ في الحَيوانِ، وأنَّ مِثلَ هذا يَنْبغي للمسلمينَ أنْ يَتباذَلُوه بيْنهم؛ لأنَّه مِن جِنسِ الماعونِ، فتَشِيعَ رُوحُ التَّعاوُنِ والتَّرابُطِ بيْن النَّاسِ. وفي حَديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِي اللهُ عنه عندَ التِّرمذيِّ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم رخَّصَ في الكَرامةِ، أي: أباحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قَبولَ الهَديَّةِ الَّتي يُعطِيها صاحبُ الأُنْثى بطَريقِ الكَرامةِ لا على سَبيلِ المُعاوَضةِ.
ونَهَى أيضًا عَن بَيعِ الماءِ، قيل: النَّهيُ على العمومِ، فلا يُباعُ الماءُ للمسلمين؛ لأنَّه مِن ضَروراتِ حَياتِهم، وفي رِوايةٍ أُخرى لمسلمٍ جاء النَّهيُ «عن بَيعِ فضْلِ الماءِ»، وهو الفاضلُ عن حاجةِ صاحبِ البئرِ، وحاجةِ عِيالِه، وماشيتِه، وزَرعِه؛ ففي الصَّحيحينِ عن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: «لا تَمْنعوا فضْلَ الماءِ لِتَمنَعوا به فضْلَ الكلأِ» وهو العُشبُ، والمعنى: أنْ يكونَ لإنسانٍ بئرٌ مَملوكةٌ بالفَلاةِ، وفيها ماءٌ فاضلٌ عن حاجتِه، ويكونُ هناك كلأٌ ليْس عنده إلَّا هذا الماءُ، ولا يُمكِنُ أصحابُ المواشِي رَعْيَه إلَّا إذا حَصَل لهم السَّقيُ مِن هذه البئرِ، فيَحرُمُ عليه منْعُ فضْلِ هذا الماءِ للماشيةِ، ويَجِبُ بذْلُ فضْلِه لها بلا عِوَضٍ.
ونَهى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن الأَرضِ لِتُحرَثَ، أي: عَن إِجارَتِها لِلزَّرعِ، بأنْ يُعطِيَ الرَّجلُ أرْضَه أحدًا ليَزرَعَها على مُقاسَمةِ ما يَخرُجُ منها، وله صُوَرٌ عَديدةٌ؛ فإنَّ الصَّحابة رَضِي اللهُ عنهم كانوا في زمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَزرَعونَ الأرضَ بالثُّلثِ والرُّبُعِ والنِّصفِ مِن الثَّمارِ؛ فَفي الصَّحيحَيْنِ ومُسنَدِ أحمَدَ -واللَّفظُ له- عن حَنْظلةَ بنِ قَيسٍ، عن رافعِ بنِ خَديجٍ، قال: «نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن كِراءِ المزارعِ، قال: قلْتُ: بالذَّهبِ والفِضَّةِ؟ قال: لا، إنَّما نَهى عنه ببَعضِ ما يَخرُجُ منها، فأمَّا بالذَّهبِ والفِضَّةِ، فلا بأْسَ به»، وَفي رِوايةٍ لِمُسلمٍ: «أَمَّا شَيءٌ مَعلومٌ مَضمونٌ فَلا بَأسَ بِه». وهذا الحديثُ يدُلُّ على أنَّ الَّذي نَهى عنه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان أمرًا بيِّنَ الفسادِ، وهي المُزارَعةُ الظَّالمةُ الجائرةُ، فلذلك زَجَرَ عنها، وأمَّا بشَيءٍ مَعلومٍ مَضمونٍ بالدِّينارِ والدِّرهمِ فلا شَيءَ فيه، كما ورَدَ في الأحاديثِ والرِّواياتِ.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على بذْلِ الماءِ مجَّانًا مِن غيرِ طَلَبِ عِوَضٍ.
تم نسخ الصورة