- عن عائشةَ رضيَ اللَّهُ عنها قالت : شَكا النَّاسُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قُحوطَ المطرِ فأمرَ بمنبرٍ فوُضِعَ لَه في المصلَّى ووعدَ النَّاسَ يومًا يخرُجونَ فيهِ قالت عائشةُ فخرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حينَ بدا حاجبُ الشَّمسِ فقعدَ علَى المنبرِ فَكَبَّرَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وحمدَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ثمَّ قالَ إنَّكم شَكَوتُمْ جدبَ ديارِكُم واستئخارَ المطرِ عن إبَّانِ زمانِهِ عنكُم وقد أمرَكُمُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ أن تدعوهُ ووعدَكُم أن يستجيبَ لَكُم ثمَّ قالَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يفعلُ ما يريدُ اللَّهمَّ أنتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الغَنيُّ ونحنُ الفقراءُ أنزِلْ علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَ لَنا قُوَّةً وبلاغًا إلى حينٍ ثمَّ رفعَ يدَيهِ فلم يزَل في الرَّفعِ حتَّى بدا بياضُ إبطيهِ ثمَّ حوَّلَ إلى النَّاسِ ظَهْرَهُ وقلبَ أو حوَّلَ رداءَهُ وَهوَ رافعٌ يدَيهِ ثمَّ أقبلَ علَى النَّاسِ ونزلَ فصلَّى رَكعتَينِ فأنشأ اللَّهُ سحابةً فرعَدَت وبرِقَتْ ثمَّ أمطرَتْ بإذنِ اللَّهِ فلم يأتِ مسجدَهُ حتَّى سالتِ السُّيولُ فلمَّا رأى سرعتَهُم إلى الكِنِّ ضحِكَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حتَّى بدَت نواجذُهُ فقالَ أشهدُ أنَّ اللَّهَ علَى كلِّ شيءٍ قديرٌ وأنِّي عبدُ اللَّهِ ورسولُهُ
الراوي :
عائشة أم المؤمنين
| المحدث :
الألباني
| المصدر :
صحيح أبي داود
| الصفحة أو الرقم :
1173
| خلاصة حكم المحدث :
حسن
| التخريج :
أخرجه أبو داود (1173)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1906)، وابن حبان (2860)
الجفافُ وعدمُ نُزولِ المطَرِ من أشدِّ الأمورِ على الحياةِ كلِّها؛ ولذلك يَنبَغي على المسلِمِ إذا شَكَا القَحطَ أن يَلجَأَ إلى اللهِ ويَطلُبَ منه السُّقْيا بالدُّعاءِ والتَّضرُّعِ والتَّذلُّلِ له، وإظهارِ كاملِ الافتِقارِ له.
وفي هذا الحديثِ تَقولُ عائشةُ رَضِي اللهُ عَنْها: "شَكا النَّاسُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم قُحوطَ المطَرِ"، أي: عدَمَ نُزولِه وانحِباسَه، "فأمَر بمِنبَرٍ"، أي: ليَصعَدَ وليَخطُبَ في النَّاسِ عليه، "فوُضِع له في المُصَلَّى"، أي: في الخَلاءِ خارِجَ المسجِدِ، "ووعَد النَّاسَ يومًا يَخرُجون فيه"، أي: حدَّد لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم موعِدًا يَخرُجون فيه إلى الصَّلاةِ.
قالت عائشةُ: "فخرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم حينَ بدَا حاجِبُ الشَّمسِ"، أي: في أوَّلِ طُلوعِ الشَّمسِ مِن مَشرِقِها، "فقَعَد على المِنبَرِ فكبَّر صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم وحَمِد اللهَ عزَّ وجلَّ، ثمَّ قال: إنَّكم شكَوتُم جدْبَ دِيارِكم"، أي: ما أصابَكم في دِيارِكم مِن قَحْطٍ، "واستِئْخارَ المطَرِ عن إبَّانِ زَمانِه عَنكُم"، أي: شَكَوتُم قِلَّةَ الأمطارِ وتأخُّرَ نُزولِه عن وقتِه المعتادِ، "وقد أمَرَكم اللهُ عزَّ وجلَّ أن تَدْعوه ووَعَدَكم أن يَستَجيبَ لَكُم"، وذلك في قولِه تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
ثمَّ بدَأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم يَدْعو اللهَ ويُعلِّمُهم ماذا يَقولون وكيف يتَضرَّعون إلى اللهِ، فقال: "الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ"؛ بيانٌ لحَمدِ اللهِ عزَّ وجلَّ على كلِّ حالٍ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، "الرَّحمنِ الرَّحيمِ"، أيِ: المُفيضِ على عبادِه جميعًا بالنِّعَمِ، "مَلِكِ يومِ الدِّينِ، لا إلهَ إلَّا اللهُ يَفعَلُ ما يُريدُ"، أي: مُتصَرِّفٌ في أحوالِ ملَكوتِه وعِبادِه، "اللَّهمَّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلَّا أنتَ الغنيُّ"، أي: بذَاتِه عن العَبدِ وعبادتِه، "ونحن الفُقراءُ"، أي: المُحتاجون إليه، "أنزِلْ علينا الغَيثَ"، أي: الماءَ الَّذي يُغِيثُنا ويُنجِّينا مِن الهلَكةِ، "واجعَلْ ما أنزَلتَ لنا قوَّةً وبَلاغًا إلى حينٍ"، أي: نتَقوَّى به ونَبلُغُ به آجالَنا في غيرِ مَضَرَّةٍ.
قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "ثمَّ رفَع يدَيه فلَم يزَلْ في الرَّفعِ حتَّى بَدا بَياضُ إبْطَيْه"، أي: مِن شِدَّةِ مُبالَغتِه في الرَّفعِ، وإظْهارِ التَّذلُّلِ والافتِقَارِ للهِ عزَّ وجلَّ، "ثمَّ حوَّل إلى النَّاسِ ظهْرَه"، أي: مُستقبِلًا للقِبْلةِ، "وقَلَب- أو حوَّل- رِداءَه وهو رافعٌ يدَيْه"، أي: جعَل باطِنَه ظهرًا وظهرَه بطنًا، أو أنَّه جعَل أسفَلَه إلى أعلى وأعلاه إلى أسفَلَ.
قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "ثمَّ أقبَل على النَّاسِ"، أي: تحَوَّل إليهِم، "ونزَل"، أي: عَنِ المنبَرِ، "فصلَّى ركعتَينِ، فأنشَأَ اللهُ سَحابةً"، أي: أوجدَها وأظهَرَها، "فرعَدَت وبرَقَت"، أي: ظهَر بها الرَّعدُ والبرقُ، "ثمَّ أمطرَت بإذنِ اللهِ، فلم يأتِ"، أي: فلم يَرجِعِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم ويَدخُلْ "مَسجِدَه حتَّى سالَتِ السُّيولُ"؛ إشارةً إلى غَزارَةِ المطَرِ وسُرعتِه، "فلَمَّا رأى"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، "سُرعتَهم"، أي: أصحابِه رَضِي اللهُ عَنْهم "إلى الكِنِّ"، والكِنُّ كلُّ ما يَحْمي من المطَرِ، "ضَحِك صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم حتَّى بدَتْ نواجِذُه"، أي: ضَحِك ضَحِكًا ظاهرًا حتَّى ظهَرَت أسنانُه وأضراسُه, فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "أشهَدُ أنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنِّي عبدُ اللهِ ورسولُه"، أي: أشهَدُ على قدرةِ اللهِ على كلِّ شيءٍ، ومِنه إنزالُ المطَرِ، ثمَّ شَهِد لنَفسِه بالرِّسالةِ؛ لأنَّ ما أخبَرَ به عنِ اللهِ حقٌّ وقد استَجاب اللهُ له.
وفي الحديثِ: الحثُّ والتَّرغِيبُ في الدُّعاءِ عندَ الحَاجَةِ.