- أَكْثَروا على عبدِاللهِ ذاتَ يومٍ ، فقال عبدُاللهِ : إنه قد أتى علينا زمانٌ ، ولسْنَا نَقْضِي ، ولسنا هنالك ، ثم إن اللهَ - عز وجل - قدَّرَ علينا أن بلَّغَنَا ما تَرَوْن ، فمَن عُرِضَ له منكم قضاءٌ بعدَ اليومِ ، فلْيَقْضِ بما في كتابِ اللهِ ، فإن جاء أمرٌ ليس في كتابِ اللهِ فلْيَقْضِ بما قضى به نبيُّه ، فإن جاء أمرٌ ليس في كتابِ اللهِ ، ولا قضى به نبيُّه ، فلْيَقْضِ بما قضى به الصالحون ، فإن جاءَ أمرٌ ليس في كتابِ اللهِ ، ولا قضى به نبيُّه ولا قضى به الصالحون فلْيَجْتَهِدْ رأيُه ، ولا يَقُلْ : إني أخافُ -وإنما أخاف ، أنهاكم أخافُ ؛ فإن الحلالَ بيِّنٌ والحرامَ بيِّنٌ ، وبينَ ذلك أمورٌ مُشْتَبِهاتٌ ، فدَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لا يَرِيبُك.
الراوي :
عبدالرحمن بن يزيد
| المحدث :
الألباني
| المصدر :
صحيح النسائي
| الصفحة أو الرقم :
5412
| خلاصة حكم المحدث :
إسناده صحيح موقوفا
| التخريج :
أخرجه النسائي في ((المجتبى)) (8/ 230)، وفي ((الكبرى)) (3/ 468)، والطبراني في ((الكبير)) (9/ 210) باختلاف يسير عنده.
من أدلَّةِ الأحكامِ التي نرجِعُ إليها: القُرْآنُ، والسُّنَّةُ، والإجماعُ، والقياسُ، والاجتهادُ، وغيرُ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ يَزيدَ: "أكثَروا على عبدِ اللهِ ذاتَ يومٍ"، أي: أكثَر النَّاسُ يومًا على عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، صحابيِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في مَسألتِه وطلبِ فُتياه، فقال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عَنه: "إنَّه قد أتَى"، أي: مضَى وانقَضى، "علينا"، أي: على الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عَنهم، "زمانٌ ولسنا نَقْضي"، أي: لا نحكُمُ بين النَّاسِ ونَقضي بينهم؛ لعدمِ حاجتِهم إلى ذلك، ووجودِ مَن يَكفيهم الفُتيا، وفي هذا إشارةٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "ولَسْنا هنالك"، أي: لَسْنا أهلًا لهذا المَقامِ الَّذي يجعَلُنا نحكُمُ بين النَّاسِ ونَقْضي بينهم، "ثمَّ إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدَّر"، أي: قضَى وكتَب "علينا أنْ بلَغْنا ما ترَوْن "، أي: وصَلْنا إلى ما ترَوْن مِن المنزلةِ الَّتي جعلَتْنا نَقْضي بين النَّاسِ؛ "فمَن عرَض له"، أي: ظهَر وقابَله، "منكم"، أي: لِمَن حولَه مِن النَّاسِ والتَّابعين، "قَضاءٌ بعدَ اليومِ"، أي: ظهَرَتْ له مَسألةٌ أو واقعةٌ بعد هذا اليومِ الَّذي نحن فيه، "فَلْيَقْضِ"، أي: لِيطلُبْ حُكمَ هذه المسألةِ أو الواقعةِ، "بما في كتابِ اللهِ"، أي: بالمنصوصِ عليه في القُرْآنِ الكريمِ كلامِ اللهِ تعالى، أو المستنبَطِ مِن آياتِ الذِّكرِ الحكيمِ، "فإنْ جاء أمرٌ ليس في كتابِ اللهِ"، أي: ظهَرَت مَسألةٌ- أو حُكمٌ- ليستْ في كتابِ اللهِ سبحانه وتعالى لا نصًّا ولا استنباطًا، "فَلْيَقْضِ بما قضَى به نبيُّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: يحكُمْ بما قضَى محمَّدٌ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وذلك بالنَّظرِ في سُنَّتِه وما نُقِلَ عنه، "فإنْ جاء أمرٌ"، أي: ظهَرَتْ مسألةٌ أو حُكْمٌ، "ليس في كِتابِ اللهِ"، أي: لا نصًّا ولا استنباطًا، "ولا قضَى به نبيُّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: نبيُّه محمَّدٌ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في سُنَّتِه وما نُقِلَ عنه، "فَلْيَقْضِ" في هذه الواقعةِ أو المسألةِ، "بما قضَى به الصَّالحون"، أي: بما وُجِدَ عند أهلِ العِلمِ، وخاصَّةً بما كان في زمنِ الصَّحابةِ، ثمَّ مَن خَلَفَهم، ويُقدِّمُ فيها ما كان مِن إجماعٍ، "فإنْ جاء أمرٌ ليس في كتابِ اللهِ، ولا قضَى به نبيُّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ولا قضَى به الصَّالحون، فَلْيجتهِدْ رأيَه"، أي: يبذُلِ الجُهدَ في استِنباطِ الحُكمِ إنْ كان مِن أهلِ الاجتهادِ، وعنده الآلةُ الَّتي تُساعدُه على الاستِنباطِ، "ولا يقُلْ: إنِّي أخافُ، وإنِّي أخافُ"، أي: لا يَتعلَّلْ ولا يَتحجَّجْ في عدمِ الوصولِ إلى الحُكمِ بالاجتهادِ؛ "فإنَّ الحلالَ بيِّنٌ"، أي: ظاهرٌ وواضحٌ، وهو ما أحَلَّه اللهُ تعالى، وما أحَلَّه رسولُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "والحرامَ بيِّنٌ"، أي: ظاهرٌ وواضحٌ، وهو ما حرَّمه اللهُ تعالى، وما حرَّمه رسولُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "وبَيْنَ ذلك"، أي: يقَعُ بَيْنَ الحرامِ والحلالِ، "أمورٌ مُشتَبِهاتٌ"، أي: تَشتَبهُ على النَّاظرِ فيها؛ فلا يدري هل هي مِن الحرامِ أو مِن الحَلالِ؛ "فدَعْ"، أي: اترُكْ، "ما يَريبُكَ"، أي: ما تشُكُّ فيه، "إلى ما لا يَريبُكَ"، أي: إلى الَّذي لا تشُكُّ فيه.
وحاصلُ ما أشار إليه ابنُ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنه أنَّه يجِبُ على العالِمِ إذا سُئِلَ عن حُكمِ مَسألةٍ: أنْ يبحَثَ أوَّلًا في النُّصوصِ؛ فإذا لم يجِدْ نصًّا، بحَث عمَّا اتَّفَق عليه السَّلَفُ الصَّالحون، فإذا لم يجِدْ ذلك اجتهَد، ولا يَتعلَّلُ بالخَوفِ مِن خَطَرِ الاجتهادِ؛ لأنَّ أمورَ الشَّرعِ واضحةٌ لا لَبْسَ فيها، فإنِ وقَعَ اشتباهٌ في بَعضِ الأمورِ، فلْيترُكْ ما اشتَبَه عليه، وليأخُذْ ما استبانَ له.
وفي الحديثِ: حُجِّيَّةُ الإجماعِ.
وفيه: الحثُّ على الاجتِهادِ في استِنباطِ الأحكامِ لِمَن كان أهلًا لذلك.
وفيه: بيانٌ لأدلَّةِ الأحكامِ، وهي الكتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ والاجتهادُ .