الموسوعة الحديثية


- يقول اللهُ: أَعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلبِ بشرٍ. فاقرُأُوا إن شِئْتُم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وفي الجنةِ شجرةٌ يَسِيرُ الراكبُ في ظلِّها مائةَ عامٍ، لا يَقْطَعُها. واقرَأُوا إن شِئْتُم وظل ممدود وموضعُ سوطٍ في الجنةِ خيرٌ مِن الدنيا وما فيها. واقرَأُوا إن شِئْتُم فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي | الصفحة أو الرقم : 3292 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح | التخريج : أخرج البخاري (3244، 3251، 3252)، ومسلم (2824، 2826) بعضه، وأخرجه الترمذي (3292)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11085)، وابن ماجه (4328، 4335)، وأحمد (9649، 9650، 9651) مطولاً
مِن المُبشِّراتِ ما كان يذكُرُه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأُمَّتِه من نَعيمِ الجنَّةِ وما أعَدَّه اللهُ للصَّالحينَ، وهذا من تَثبيتِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأُمَّتِه، بتَعريفِهم ما سيَجِدُونه عندَ اللهِ من الرَّحمةِ والكرامةِ، لمَن خاف اللهَ واتَّقاه وعمِلَ الصَّالحاتِ.
وفي هذا الحديثِ القُدسيِّ يقولُ أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يقولُ اللهُ: أعددْتُ"، أي: خلَقْتُ وهيَّأتُ في الجنَّةِ، "لعبادِيَ الصَّالحينَ"، أي: الَّذين يَعمَلون الصَّالحاتِ، وهم في أنفُسِهم صَالحون ويعمَلون الخيرَ، وقولُه: "لعبادِيَ" الإضافةُ للتَّشريفِ، أي: المُخْلَصين في عِبادتِهم للهِ تعالى، فاستَحَقُّوا أنْ يُضافوا إليه، "ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذُنٌ سمِعَتْ"، أي: ما لم تَرَه أيُّ عَينٍ من الأعيُنِ، ولم تَسمَعْ به أيُّ أذُنٍ من الآذانِ في الدُّنيا، "ولا خطَرَ على قلْبِ بشَرٍ"، أي: ولم يمُرَّ على عَقْلِ أحدٍ تَصوُّرُه من النَّعيمِ؛ فكُلُّ شَيءٍ يَتخيَّلُه قلْبُ البَشرِ من نَعيمِ الجنَّةِ، ففيها أفضَلُ وأعظمُ ممَّا تخيَّلَه، قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فاقْرَؤوا إنْ شئْتُم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]، وهذا مِصداقُ ما قاله من كتابِ اللهِ، الَّذي أخبَرَ أنَّه لا يعلَمُ أحدٌ ولا يَتصوَّرُ ما خبَّأَهُ اللهُ عن النَّاسِ من النَّعيمِ الَّذي تقَرُّ به العينُ، أيْ: تهدَأُ وتسعَدُ وتفرَحُ به يومَ القيامةِ عندَ اللهِ.
ثُمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وفي الجنَّةِ شَجرةٌ"، قيل: هي طُوبى، أو سِدرةُ المُنتهى، أو شجرةُ الخُلْدِ، "يَسيرُ الرَّاكبُ في ظِلِّها"، أي: يَمْشي الرَّاكبُ برَكوبَتِه تحْتَها وفي ذُراها ونَعيمِها وناحيتِها، وفي روايةِ الصَّحيحينِ من حديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ: "يَسيرُ الرَّاكبُ الجَوادَ المُضَمَّرَ السَّريعَ مِئةَ عامٍ، لا يقطَعُها"، أي: ولا يصِلُ إلى نِهايتِها مع سَيرِه هذه المدَّةَ؛ وهذا للمُبالغةِ في امتدادِ ظِلِّها، ثمَّ ذكَرَ تَصديقَ ذلك من القُرآنِ؛ فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "واقرَؤوا إنْ شئْتُم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30]"؛ وليس هو ظِلَّ الشَّمسِ، بلْ ظِلٌّ يخلُقُه اللهُ تعالى، وقد قال تعالى: {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} [الإنسان: 13]؛ فهي جنَّةُ نَعيمٍ، مُعتدلةٌ بِلا حرٍّ، ولا بردٍ مُؤْذٍ.
قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وموضِعُ سَوطٍ في الجنَّةِ" والسَّوطُ هو آلةُ الضَّربِ الَّتي تُتَّخَذُ من الجِلْدِ، والمُرادُ: موضِعٌ في الجنَّةِ بمِقدارِ ما يُوضَعُ فيه السَّوطُ، وهو إنْ كانَ يَسيرًا أو قليلًا "خيرٌ من الدُّنيا وما فيها"، أي: من الحُصولِ على نَعيمِها كلِّه، وقيل: إنَّما خَصَّ السَّوطَ بالذِّكرِ؛ لأنَّ من شأْنِ الرَّاكبِ إذا أرادَ النُّزولَ في مكانٍ أنْ يُلْقِيَ سَوطَه قبْلَ أنْ ينزِلَ، مُعْلِمًا بذلك المكانَ الَّذي يُريدُه؛ لئلَّا يُسبَقَ إليه
قال: "واقرَؤُوا إنْ شِئْتُم: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، أي: إنَّ مَن رأى هولَ القِيامةِ والحِسابِ والصِّراطِ والموقفِ بين يَديِ اللهِ وغيرِ ذلك من أهوالِ الموقِفِ، ثمَّ يُنَجِّيه اللهُ من ذلك كلِّه، ومن عَذابِ النَّارِ، ويُدْخِلُه الجنَّةَ؛ ويُفوزُ فِيها وَلْو بِموضِعِ قَدمٍ، أو مَوْضِعِ سَوطٍ، يعلَمُ عندَ ذلك أنَّ نَعيمَ الدُّنيا وزِينتَها كان غُرورًا، ولا قِيمةَ له، ولأنَّ زِينةَ الحياةِ الدُّنيا إنْ فَتَنتْ أحدًا ورَكَنَ إليها، ورأى أنَّه لا شَيءَ غيرُها، أو تعجَّلَها؛ فقدِ اغتَرَّ بترْكِ الأعْلى إلى الأدنى، واستبدَلَ الباقِيَ بالفاني.
وفي الحديثِ: بَيانُ سَعةِ الجنَّةِ غيرِ المحدودةِ، وبيانُ عَظمةِ نَعيمِها وما فيها.
تم نسخ الصورة