الموسوعة الحديثية


- أتيتُ المدينةَ وأَنا حاجٌّ ، فبَينا نحنُ في مَنازِلِنا نضعُ رحالَنا إذ أتى آتٍ ، فقالَ : قدِ اجتَمعَ النَّاسُ في المسجدِ ، فاطَّلعتُ ، فإذا يعني النَّاسَ مجتمِعونَ ، وإذا بينَ أظهرِهِم نفرٌ قعودٌ ، فإذا هوَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ ، والزُّبَيْرُ وطلحةُ ، وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رحمةُ اللَّهِ عليهم ، فلمَّا قُمتُ علَيهِم قيلَ : هذا عثمانُ بنُ عفَّانَ، قد جاءَ، قالَ : فجاءَ وعلَيهِ مُليَّةٌ صفراءُ ، فقلتُ لصاحِبي : كما أنتَ حتَّى أنظرَ ما جاءَ بِهِ ؟ فقالَ عثمانُ: أَها هُنا عليٌّ؟ أَها هُنا الزُّبَيْرُ؟ أَها هُنا طلحةُ؟ أَها هُنا سعدٌ؟ قالوا: نعَم، قالَ: فأنشدُكُم باللَّهِ الَّذي لا إلَهَ إلَّا هوَ، أتعلَمونَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ: مَن يبتاعُ مِربدَ بَني فلانٍ غفرَ اللَّهُ لَهُ؟ فابتعتُهُ، فأتيتُ رسولَ اللَّهِ، فقلتُ: إنِّي ابتعتُ مِربدَ بَني فلانٍ، قالَ: فاجعلهُ في مسجِدِنا وأجرُهُ لَكَ، قالوا: اللَّهُمَّ نعَم، قالَ: فأنشدُكُم باللَّهِ الَّذي لا إلَهَ إلَّا هوَ، هل تعلمونَ أنَّ رسولَ اللَّهِ، قالَ: من يبتاعُ بئرَ رومَةَ غفرَ اللَّهُ لَهُ؟ فأتيتُ رسولَ اللَّهِ فقلتُ: قد ابتعتُ بئرَ رومةَ، قالَ: فاجعَلها سقايةً للمسلمينَ وأجرُها لَكَ، قالوا: نعَم، قالَ: فأنشدُكُم باللَّهِ الَّذي لا إلَهَ إلَّا هوَ، هل تعلَمونَ أنَّ رسولَ اللَّهِ قالَ: مَن يُجَهِّزُ جيشَ العُسرةِ غفرَ اللَّهُ لَهُ؟ فجَهَّزتُهُم حتَّى ما يفقِدونَ عقالًا ولا خطامًا، قالوا: نعَم، قالَ: اللَّهمَّ اشهَدْ، اللَّهمَّ اشهَدْ، اللَّهمَّ اشهَدْ
الراوي : الأحنف بن قيس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 3608 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه النسائي (3606)
كان عُثمانُ بنُ عفَّانَ مِن أفاضِلِ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم، وله مِن الفَضْلِ في الإسلامِ ما يُشهَدُ له به، وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لبعضِ فَضائلِه وابتلائِه؛ حيثُ يقولُ التَّابعيُّ الأحنَفُ بنُ قيسٍ: "أتيْتُ المدينةَ وأنا حاجٌّ"، أي: يُرِيدُ الحجَّ، "فبيْنا نحنُ في مَنازِلِنا"، أي: في الأماكنِ الَّتي نزَلْنا فيها، "نضَعُ رِحالَنا"، أي: نُنزِلُ مَتاعَنا وأحْمالَنا، "إذ أتى آتٍ، فقال: قدِ اجتمَعَ النَّاسُ في المسجِدِ"، أي: في المسجِدِ النَّبويِّ، "فاطَّلَعْتُ"، أي: ذهَبَ لِيَنظُرَ هذا الجمْعَ، "فإذا يعني النَّاسُ مُجتمعونَ، وإذا بيْن أظْهُرِهم نفَرٌ قعودٌ، فإذا هو عليُّ بنُ أبي طالبٍ والزُّبيرُ"، وهو ابنُ العوَّامِ، "وطلحةُ" وهو ابنُ عُبيدِ اللهِ، "وسَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ- رَحمةُ اللهِ عليهمْ-، فلمَّا قمْتُ عليهم، قيل: هذا عُثمانُ بنُ عفَّانَ قد جاءَ"، أي: أتى لِيَحضُرَ جمْعَهم، وكان حينئذٍ أميرًا للمُؤمِنين، قال الأحنفُ: "فجاء وعليه مَلِيَّةٌ صَفراءُ"، وهي عَباءةٌ ذات طَرفينِ، وفي رِوايةٍ للنَّسائيِّ: "مُلاءةٌ صَفراءُ قد قنَّعَ بها رأْسَه"، قال الأحنفُ: "فقلْتُ لِصاحِبي: كما أنْتَ حتَّى أنظُرَ ما جاءَ به"، أي: سبَبِ مَجيئِه، "فقال عُثمانُ: أهاهنا عليٌّ؟ أهاهنا الزُّبيرُ؟ أهاهنا طَلحةُ؟ أهاهنا سعدٌ؟ قالوا: نعم، قال: فأنْشُدُكم باللهِ الَّذي لا إلهَ إلَّا هوَ، أتَعْلَمون أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: مَن يَبتاعُ"، أي: يَشْتري، "مِرْبَدَ بني فُلانٍ غفَرَ اللهُ له، فابْتَعْتُه، فأتيْتُ رسولَ اللهِ فقلْتُ: إنِّي ابْتَعْتُ مِرْبَدَ بني فلانٍ، قال: فاجْعَلْه في مَسجِدِنا، وأجْرُه لك؟" أي: أجْرُ الآخرةِ لكلِّ مَن يَنتفِعُ به، "قالوا: اللَّهُمَّ نعمْ"، وإنَّما ذَكَروا لفْظَ "اللَّهُمَّ" للتَّأكيدِ، والمِرْبَدُ: مَوضعٌ يُجعَلُ فيه التَّمرَ لِيَنشَفَ، "قال: فأنْشُدُكم باللهِ الَّذي لا إلهَ إلَّا هوُ، هل تَعلَمون أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: مَن يَبتاعُ بِئرَ رُومةَ غفَرَ اللهُ له، فأتيْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقلْتُ: قدِ ابْتَعْتُ بِئرَ رُومةَ، قال: فاجْعَلْها سِقايةً للمُسلِمين، وأجْرُها لك؟ قالوا: نعمْ"، وهي بِئرُ ماءٍ تُسمَّى رُومةَ، وكانت لِرجلٍ مِن بني غِفارٍ، وكان هذا عِندَ مَقدَمِ المُهاجرينَ للمدينةِ وحاجةِ المُسلمينَ للماءِ، فاشتَراها رضِيَ اللهُ عنه، وجَعَلَها وَقْفًا على المُسلمينَ- بعدَ أنْ كانَ مالِكُها يَبيعُ ماءَها للشَّاربينَ- وكان دَلْوُ عُثمانَ فيها كَدِلاءِ المُسلِمين، "قال: فأنْشُدُكم باللهِ الَّذي لا إلهَ إلَّا هوَ، هل تَعْلَمون أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: مَن يُجهِّزُ جيشَ العُسرةِ غفَرَ اللهُ له؟" أي: مَن يتَكلَّفُ بمُؤنتِه وحاجتِه، فجَهَّزه رضِيَ اللهُ عنه، وهو الجَيشُ الَّذي سارَ لِقِتالِ الرُّومِ في غَزوةِ تَبوكَ في السَّنةِ التَّاسعةِ مِن الهِجرةِ، وسمَّيْت بذلك؛ للمِشقَّةِ الَّتي حصَلَت للمُسلِمين فيها بسبَبِ بُعْدِها، وكونِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَزاها في شِدَّةِ الحرِّ، واجتمَعَ عليهم عُسرةُ الظَّهرِ، وعُسرةُ الزَّادِ، وعُسرةُ الماءِ، قال عُثمانُ رضِيَ اللهُ عنه: "فجهَّزْتُهم حتَّى ما يَفْقِدون عِقالًا ولا خِطامًا"، إشارةً إلى أنَّ تَجْهيزَه للجيشِ كان تامًّا، ووفَّرَ لهم أدَقَّ وأصغَرَ ما قدْ يَحتاجون إليه، والعِقالُ: الحبْلُ الصَّغيرُ الَّذي يُربَطُ به البعيرُ؛ حتَّى لا يَتحرَّكَ، والخِطامُ: هو الحَبْلُ يُجعَلُ على خَطْمِ البَعيرِ، أي: مُقدَّمِ أنْفِه وفَمِه؛ لِيُقادَ منه، "قالوا: نعمْ"، فصَدَّقَه الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم في كلِّ ما حدَّثَ به، فقال عُثمانُ: "اللَّهُمَّ اشهَدْ، اللَّهُمَّ اشهَدْ، اللَّهُمَّ اشهَدْ"، أي: اشهَدْ على إقامتي الحُجَّةَ على الأعداءِ على لِسانِ الأولياءِ؛ فإنَّ مَقصودَه رضِيَ اللهُ عنه كان إسماعَ مَن يُعادِيه ما له مِن المكانةِ والخِدمةِ للإسلامِ، ودَفعًا لِاتِّهامِه مِن قِبَلِ الخارجينَ بالتَّفريطِ في أُمورِ الحُكمِ ومُحاباةِ قَرابتِه.
وفي الحديثِ: بَيانُ مَناقبِ عُثمانَ بنِ عفَّانَ رضِيَ اللهُ عنه.
وفيه: مَشروعيَّةُ إقامةِ الحُجَّةِ على المُخالِفين للإمامِ.