الموسوعة الحديثية


- تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في بيتي ، وفي يومي وليلتي ، وبين سَحْري ونَحْري ، ودخل عبدُالرحمنِ بنُ أبي بكرٍ ، ومعه سواكٌ رَطبٌ ، فنظر إليه ، حتى ظننتُ أنه يُريدُه ، فأخذتُه ، فمضغتُه ونفضتُه وطيَّبتُه ، ثم دفعتُه إليه فاستَنَّ به كأحسنِ ما رأيتُه مُسَتَنًّا قطُّ ، ثم ذهب يرفعُه إليَّ فسقطَتْ يدُه ، فأخذتُ أدعو له بدعاءٍ كان يدعو به له جبريلُ ، وكان هو يدعو به إذا مرِضَ ، فلم يدعُ به في مرضِه ذاك فرفَع بصرَه إلى السماءِ . وقال : الرَّفيقَ الأَعْلى . وفاضتْ نفسُه . فالحمدُ لله الذي جمع بين رِيقي وريقِه في آخر يومٍ من الدُنيا .
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الذهبي | المصدر : سير أعلام النبلاء | الصفحة أو الرقم : 2/189 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
نبيُّنا محمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -مع عَظيمِ قَدْرِه وعُلوِّ مَنزلتِه عِندَ رَبِّه- لا يَملِكُ لِنَفسِه ضَرًّا ولا نَفعًا، وهو بَشَرٌ تَجري عليه أحكامُ الحَياةِ والمَرَضِ والمَوتِ، وكذا كلُّ الأنبياءِ والرُّسُلِ عليهم السَّلامُ.
وفي هذا الحديثِ تقولُ أُمُّ المُؤمِنينَ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها: "تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ في بَيتي"، أي: حُجرتِها، "وفي يَومي وليلتي"، أي: نَوبتِها، "وبين سَحْري ونَحْري"، والسَّحْرُ هو أعلى البَطنِ، والنَّحْرُ مَوضِعُ العِقدِ من الصَّدرِ، والمعنى: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاضَت رُوحُه وهي مُحتَضِنةٌ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على صَدرِها، ورأسُه الشَّريفُ عِندَ ذَقَنِها، "ودَخَلَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بَكرٍ" أخوها، "ومعه سِواكٌ رَطْبٌ، فنَظَرَ إليه"، يعني: النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "حتى ظَنَنتُ أنَّه يُريدُه"، أي: عَرَفتُ أنَّه يُريدُه لكي يتسوَّكَ به، "فأخَذتُه، فمَضَغتُه"؛ لتُلَيِّنَه له "ونَفَضتُه"، أي: من أثَرِ الماءِ الذي على السِّواكِ، "وطَيَّبتُه"، أي: هيَّئتُه وجَعَلتُه يَطيبُ استعمالُه، "ثم دَفَعتُه إليه"، أي: أعطَتِ السِّواكَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فاسْتَنَّ به كأحسَنَ ما رأيْتُه مُسْتنًّا قَطُّ"، أي: تسوَّك به، وطهَّر أسنانَه بأحسَنِ صُورةٍ مُمكنَةٍ، "ثم ذَهَبَ يَرفَعُه إليَّ"، يُعطيني إيَّاه، "فسَقَطتْ يَدُه" من شِدَّةِ المَرَضِ، "فأخَذتُ أدْعو له بدُعاءٍ كان يَدْعو به له جِبريلُ، وكان هو يَدْعو به إذا مَرِضَ"؛ لعلَّها تَقصِدُ: الرُّقيةَ بالمُعوِّذاتِ كما جاءَ في روايةِ البُخاريِّ: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا اشْتَكَى نَفَثَ على نَفْسِه بالمُعوِّذاتِ ومَسَحَ عنه بيَدِه، فلمَّا اشْتَكى وَجَعَه الذي تُوفِّيَ فيه طَفِقتُ أنفُثُ على نَفْسِه بالمُعوِّذاتِ التي كان ينفُثُ وأمسَحُ بيَدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنه"، ولعلَّها تَقصِدُ الدُّعاءَ الذي جاءَ عندَ أحمدَ من روايتِها قالت: "كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا اشْتَكى رَقاهُ جِبريلُ عليه السَّلامُ، فقال: بِسمِ اللهِ أَرقيكَ، مِن كُلِّ داءٍ يَشْفيكَ، من شَرِّ حاسدٍ إذا حَسَدَ، ومِن شَرِّ كُلِّ ذي عَينٍ".
قالت: "فرَفَعَ بَصَرَه إلى السَّماءِ"؛ حيثُ كان يُخيِّرُه جِبريلُ عليه السَّلامُ، كما في حديثِ البُخاريِّ: "لا يموتُ نَبيٌّ حتى يُخيَّرَ بين الدُّنيا والآخِرَةِ"، قالت: "وقال: الرَّفيقَ الأعْلى"، والرَّفيقُ الأعْلى: الَّذينَ أنْعَمَ اللهُ علَيهم من النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالحينَ، وحَسُنَ أولئك رَفيقًا، وقيلَ هو الجَنَّةُ. وقيل: هو جماعةُ الأنبياءِ الَّذين يَسكُنون أعلى عِلِّيِّينَ، "وفاضَتْ نَفْسُه"، أي: خَرَجتْ رُوحُه الشَّريفةُ، قالتْ: "فالحَمدُ للهِ الذي جَمَعَ بين رِيقي ورِيقِه"، أي: مَزَجَ بين الرِّيقَينِ معًا، فجَعَلَ ريقَها رضِيَ اللهُ عنها يَصِلُ إلى فَمِه، ورِيقَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصِلُ إلى فَمِها،"في آخِرِ يومٍ من الدُّنيا" بالنِّسبَةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا قُبَيْلَ وَفاتِه بِلَحْظةٍ قَصيرةٍ. وقد جاء في صَحيحِ البُخاريِّ بيانُ جمْعِ اللهِ تعالى بين رِيقِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وريقِها، وفيه قالتْ عائِشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "إنَّ مِن نِعَمِ اللهِ عليَّ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُوفِّي في بيتي، وفي يومي... وأنَّ اللهَ جمَع بين رِيقي ورِيقِه عندَ موتِه؛ دخَل عليَّ عبدُ الرحمنِ بنُ أبي بكرٍ وبيدِه سواكٌ وأنا مُسندِةٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فرأيتُه يَنظُرُ إليه، وعَرَفتُ أنه يحبُّ السواكَ، فقلت: آخذُه لك؟ فأشار برأسِه أنْ نَعمْ، فتناولتُه، فاشتدَّ عليه، وقلتُ: أُلِّينُه لك؟ فأشارَ برأسه أنْ نعَمْ، فلينتُه"؛ فاجْتَمَعَ الرِّيقانِ في حَلْقِها رضِيَ اللهُ عنها، وكذا في حَلْقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عند مَوتِه، وفي هذا إشارةٌ إلى رِضاهُ عنها حتَّى عندَ انقِطاعِ حَياتِه.
وفي الحديثِ: أنَّ شِدَّةَ البلاءِ تكونُ بقَدْرِ رِفعةِ مَنزلةِ العَبدِ عِندَ اللهِ تعالى؛ فأشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ، ثُم الذين يَلُونَهم، ثُم الذين يَلُونَهم.
وفيه: بيانُ منزِلَةِ عائِشَةَ رضِيَ اللهُ عنها عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتمريضُه في بيتِها( ).
تم نسخ الصورة