الموسوعة الحديثية


- أما بعدُ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ ، وإنَّ أفضلَ الهديِ هديُ محمدٍ ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها ، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ أتتْكم الساعةُ بغتةً ، بُعِثتُ أنا والساعةُ هكذا ، صبحَتْكم الساعةُ ومستْكم ، أنا أولى بكلِّ مؤمنٍ من نفسِه ، من ترك مالًا فلأهلِه ، ومن ترك دَيْنا أو ضَياعًا فإليَّ وعليَّ ، وأنا وليُّ المؤمنين
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 1353 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه النسائي في ((المجتبى)) (3/ 188)، وأحمد (3/ 310) باختلاف يسير.
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أفصحَ الخُطباءِ وأحسنَهم بيانًا، ويَتَّبِعُ في كلامِه ما يُؤثِّرُ في الناسِ، وما يَعِظُهم ويُبشِّرُهم ويُنذِرُهم؛ فقد أُوتِيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جوامعَ الكَلِمِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: "إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خطَبَ يومًا فقال: أمَّا بعدُ"، أي: بعدَ ما سبَقَ مِن الكلامِ؛ مِن حمْدِ اللهِ والثَّناءِ عليه، "فإنَّ أصدَقَ الحديثِ كِتابُ اللهِ"، والمرادُ به: القرآنُ؛ فهو الحقُّ الواضحُ الذي لا لَبْسَ فيه ولا باطِلَ، "وإنَّ أفضَلَ الهَدْيِ هَدْيُ محمَّدٍ"، والمرادُ: سُنَّتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القَوليَّةُ والفِعليَّةُ، وما أقَرَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه، والهَدْيُ هو السِّيرةُ والسَّمتُ؛ فما مِن اتِّباعٍ طريقٍ وسبيلٍ إلَّا وطريقُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خيرٌ منه، فيَجِبُ اتِّباعُ طَريقتِه وسِيرتِه وسَمْتِه، "وشَرَّ الأُمورِ مُحدَثاتُها"، وهي: كلُّ ما أُحدِثَ بعدَه في كلِّ شَيءٍ إذا كان مُخالِفًا لِمَا شَرَعَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "وكلَّ مُحدَثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ"، أي: وإنَّ كلَّ اختراعٍ في الدِّينِ؛ مِن كيفيَّةٍ لم يَفعَلْها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابُه، فهي ضلالٌ ومَيلٌ وبُعدٌ عن طريقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وليست مِن الهُدَى والرَّشادِ الذي جاء به، "وكلَّ ضلالةٍ في النارِ"، أي: إنَّ البِدعةَ تُؤدِّي بمُحدِثِها والمُصِرِّ عليها إلى النارِ، "أتَتْكُم الساعةُ بَغتةً"، أي: فَجأةً، والمرادُ بالساعةِ: يومُ القيامةِ، "بُعِثْتُ أنا والساعةَ هكذا"، وفي رِوايةِ أحمَدَ: "وأشار بأصبَعَيهِ؛ السَّبَّابةِ والوُسطى"، أي: إنَّ بَعثَتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكونَه خاتَمَ النَّبيِّينَ دليلٌ على قُربِ السَّاعةِ، "صبَّحَتْكم الساعةَ ومسَّتْكم"، أي: إمَّا أنْ تأْتيَكم في الصباحِ أو في المساءِ؛ فهي في أحدِ هذينِ الوقتينِ، وهو مِن البيانِ لِقُربِها ودُنوِّها، "أنا أَولى بكلِّ مُؤمنٍ مِن نفْسِه"، أي: أنا أَولى به مِن نفْسِه في رِعايتِه وهِدايتِه، "مَن ترَكَ مالًا فلِأهْلِه"، يعني: مَن مات مِن المسلمينَ وله مالٌ، فإنَّ وَرَثتَه وعَصَبتَه أَولَى بهذا المالِ؛ يأْخُذونه مِيراثًا، "ومَن ترَكَ دَينًا أو ضَياعًا"، وهم الأولادُ الصِّغارُ والزَّوجةُ، ومَن لا يَستطيعُ القِيامَ بأمْرِ نفْسِه ممَّن كان يَعُولُهم، "فإلَيَّ وعلَيَّ، وأنا ولَيُّ المؤمنينَ"، كما قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]؛ فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْضي عنه ذلك الدَّينَ، ويَرعى مَن يَعولُ، وهذا مِن حُسنِ أخلاقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومُؤازرتِه للمسلمينَ، وحِرصِه على عَدمِ ضَياعِهم، فلمَّا فَتَح اللهُ تعالى على المسلمينَ الفُتوحَ وكَثُر المالُ، كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقضِي دَينَ مَن مات.
وفي الحديثِ: الحثُّ على التَّمسُّكِ بكِتابِ اللهِ وسُنَّتِه.
وفيه: التَّحذيرُ والترهيبُ مِن البِدَعِ والإصرارِ عليها( ).
تم نسخ الصورة