- مَهْ يا عائشةُ ! فإن اللهَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ ولا التفَحُّشَ
الراوي :
عائشة أم المؤمنين
| المحدث :
الألباني
| المصدر :
صحيح الجامع
| الصفحة أو الرقم :
6626
| خلاصة حكم المحدث :
صحيح
علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيف نَتعامَلُ مع اللِّئامِ من أهْلِ الكِتابِ الذين يُحرِّفون الكَلِمَ الصَّحيحَ إلى الخَطَأِ، وأمَرَنا بالرِّفْقِ في كُلِّ الأُمورِ، وتَرْكِ الفُحْشِ في القَولِ.
وهذا المَتنُ جُزءٌ من حَديثٍ للبَيْهقيِّ في الشُّعَبِ، وفيه تُخبِرُ عائِشَةُ أُمُّ المُؤمِنينَ رضِيَ اللهُ عنها: "كان أُناسٌ من اليَهودِ يَأتون رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيَقولون: السامُ عليك"، أي: يُوهِمون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معه أنَّهم يُلقون عليهم تَحيَّةَ الإسْلامِ، والحقيقةُ أنَّهم يَدْعون عليهم، والسامُ: الموتُ والهَلَكةُ، فقالت عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها: فرَدَّ عليهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَولِه: "وعليكم"، أي: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد فَطِنَ لقَولِهم، وكان مَعْنى جَوابِه: وعليكم مِثلُ ما قُلتُم من الدُّعاءِ، "ففَطِنَتْ بهم عائِشَةُ فسَبَّتْهم"، والمَعْنى: أنَّ عائِشَةَ رَدَّتْ عليهم بمِثلِ قَولِهم، وأفْحَشَتْ لهم في الرَّدِّ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَهْ يا عائِشَةُ"، وفي روايةِ الصَّحيحِ: "مَهلًا يا عائِشَةُ"، أي: تمهَّلي واصْبِري وتَرفَّقي في الأمْرِ، "فإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ ولا التَّفَحُّشَ"، والفُحْشُ والتَّفحُّشُ يُقصَدُ به التَّعدِّي في القَولِ والجَوابِ، لا الفُحْشُ الذي هو مِن رَديءِ الكلامِ، "قالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّهم يَقولون كذا وكذا، قال: أَلَيسَ قد رَدَدتُ عليهم؟ فأنزَلَ اللهُ تَبارك وتَعالى {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [المجادلة: 8] إلى آخِرِ الآيةِ".
والفَرقُ بيْنَ رَدِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَدِّ عائِشَةَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَزاهم على قدْرِ فَعلَتِهم دُون أنْ يَفحُشَ في القَولِ، وأما عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها فقد زادتْ في المَعْنى، وتعَدَّتْ وجَعَلتِ الغِلظَةَ هي السَّبيلَ في الرَّدِّ.
وهذا تَعليمٌ وتَربيةٌ نَبويَّةٌ بأنْ يَتَحلَّى المُسلِمُ بالصَّبْرِ مع الرَّحْمةِ والرِّفْقِ، فالرِّفقُ في الأُمورِ، والرِّفقُ بالنَّاسِ، واللِّينُ، والتَّيسيرُ، مِن جَواهرِ عُقودِ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ، وهيَ مِن صفاتِ الكَمالِ، واللهُ سُبحانَه وتَعالى رَفيقٌ، يُحبُّ مِن عبادِه الرِّفقَ.
وفي الحَديثِ: بيانُ تحايُلِ اليهودِ وتغييرِهم في الكَلامِ بما يُوهِمُ المَعْنى المقصودَ وعكْسَه.
وفيه: مُجازاةُ المُعتَدي بمِثلِ اعتدائِه في القَولِ أو الفِعلِ، ومُعاملَتُه بمِثلِ حيلَتِه .