الموسوعة الحديثية


- عن عائشةَ رضيَ اللُه عنها قالت : نحَلني أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ جادَّ عشرينَ وسقًا من مالِ الغابةِ ، فلما حضرته الوفاةُ قال : واللهِ يا بُنيةُ ما من الناسِ أحبُّ إليَّ غنًى منكِ بعدِي ، ولا أعزُّ عليَّ فقرًا بعدي مِنكِ ، وإني كنت نَحلتُك جادَّ عِشرينَ وسقًا ، ولو كنت جَددتِيه واحتَزْتيه لكان لكِ ، وإنما هو اليومَ مالُ الوارثِ ، وإنما هما أخواكِ وأختاكِ ، فاقتسِموه على كتابِ اللهِ ، قالت : فقلت : يا أبتِ ، لو كان كذا وكذا لترَكتُه ، إنما هي أسماءُ فمَن الأخرى ؟ قال : ذو بطنِ ابنةِ خارجةَ . أُراها جاريةً
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : ابن الملقن | المصدر : البدر المنير | الصفحة أو الرقم : 7/144 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كان الصَّحابةُ الكِرامُ رضِيَ اللهُ عنهم يَتَحرَّوْنَ أنْ تَكونَ مُعاملاتُهم مُوافِقَةً للكِتابِ والسُّنَّةِ،
وفي هذا الحَديثِ تقولُ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها: "نَحَلَني أبو بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه"، أي: أعْطاني على سَبيلِ المِنْحةِ والهَديَّةِ، "جادَّ عِشرينَ وَسْقًا"، أي: قَدْرَ عِشرينَ وَسْقًا ممَّا يُحصَدُ ويُقطَعُ من التَّمْرِ، والوَسْقُ: مِكيالٌ كبيرٌ يَسَعُ سِتِّينَ صاعًا، ويُعادِلُ 130 كيلو جرامًا تقريبًا، "من مالِ الغابةِ"؛ حيثُ تُوجَدُ أرضُ أبي بَكرٍ، وهي مَوضِعٌ قريبٌ مِن المدينةِ ناحيةَ الشَّمالِ، وكانتْ على بُعدِ سِتَّةِ أميالٍ منها، والمِيلُ يُساوي 1,6 كيلومترًا تقريبًا، "فلما حَضَرَتْه الوَفاةُ"، يَعني في مَرَضِ المَوتِ، "قال: واللهِ يا بُنَيَّةُ، ما مِنَ النَّاسِ أحَبُّ إليَّ غِنًى مِنكِ بَعدي"، بمعنى لا يُوجَدُ أحَدٌ أُحِبُّ أنْ يكونَ غَنِيًّا بعدَ مَوتي منكِ أنتِ، "ولا أعَزُّ عليَّ فَقْرًا بعدَي مِنكِ"، بمَعْنى ولا أحَدٌ يَشُقُّ عليَّ، ويَشتَدُّ حُزْني أنْ يكونَ فَقيرًا بَعدي مِنكِ أنتِ، فكُنتُ أُحِبُّ أنْ تَكوني غَنيَّةً لا فَقيرةً، "وإنِّي كُنتُ نَحَلتُكِ جادَّ عِشرينَ وَسْقًا، ولو كُنتُ جَدَدتيهِ واحْتَزتيهِ"، أي: لو كُنتُ حَصَدتيهِ وأصبَحَ في مِلْكَكِ، "لكان لك" بعدَ حِيازَتِك له؛ لأنَّ الحِيازةَ والقَبْضَ شَرْطٌ في تَمامِ الهِبَةِ، "وإنَّما هو اليَومَ مالُ الوارثِ"، أي: يُصبِحُ بعدَ مَوتي مالًا لكُلِّ الوَرَثةِ الذين لهم الحَقُّ في مِيراثي، "وإنَّما هما أخَوَاكِ"، وهما عبدُ اللهِ ومُحمَّدٌ ابْنا أبي بَكرٍ، "وأُخْتاكِ"، وهما: أسماءُ بِنتُ أبي بَكرٍ، ثُمَّ الحَمْلُ الذي في بَطنِ زَوجَتِه كما سيُبَيَّنُ بعدَ ذلك، "فاقْتَسِموه على كِتابِ اللهِ"، وهذا أمْرٌ منه بعائشةَ أي: يُقْسِموا مِيراثَه بيْنَهم قِسْمةً شَرعيَّةً كما وَرَدَ في القُرآنِ الكَريمِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ، قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "فقُلتُ: يا أبتِ، لو كان كذا وكذا لتَرَكتُه"، أي: لو بَلَغَ ما أعْطَيْتَني قَدْرًا كَبيرًا أزيَدَ ممَّا وَهَبتَه لي لتَرَكتُه بعدَك؛ ليُقسَمَ بيْنَ الوَرَثةِ، اتِّباعًا للشَّرْعِ وطَلَبًا لِرِضاكَ، ثُمَّ قالت مُستَفهِمةً عن أُختِها الثانيةِ، ومَن تكونُ هي؟: "إنَّما هي أسماءُ فمَنِ الأُخرى؟ قال: ذو بَطنِ ابْنةِ خارِجةَ"، يَعني ما في بَطنِ زَوْجتِه حَبيبةَ بِنْتِ خارِجةَ الأنْصاريِّ، وهي صَحابيَّةٌ بِنتُ صَحابيٍّ شَهِدَ بَدْرًا، وآخَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَه وبيْنَ أبي بَكرٍ، وكانت حَبيبةُ تُقيمُ بالعاليةِ، وهيَ مَنازِلُ بَني الحارِث، "أُراها جاريةً"، أي: أتوقَّعُ أنْ تَلِدَ أُنثى، فكان كما ظَنَّ رضِيَ اللهُ عنه فوَلَدَتْ بِنتًا اسْمُها أُمُّ كُلْثومٍ، ويُريدُ أبو بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه بذلك مَن يَرِثُه بالبُنوَّةِ؛ لأنَّ مَن وَرِثَتْه زَوجَتاه أسماءُ بِنتُ عُمَيسٍ، وحَبيبةُ بِنتُ خارِجةَ، وأبوه أبو قُحافةَ.
وفي الحَديثِ: أنَّ الهِبَةَ تُملَكُ بالحِيازةِ.
وفيه: بيانُ حِرْصِ أبي بَكرٍ وعائشةَ على العَدْلِ والتَّسْويةِ بيْنَ المُتَشارِكينَ في المِيراثِ، والتَّأليفِ بيْنَ الأُخْوةِ وتَرْكِ ما يُوقِعُ بيْنَهم الشَّحْناءِ ويُورِثُ العُقوقَ للآباءِ.
وفيه: أنَّ الغِنى أحَبُّ إلى الفُضلاءِ من الفَقْرِ .
تم نسخ الصورة