كان الخليفةُ أرسل وهو ببغداد إلى أبي محمَّد الحسن بن حمدان نائبِ الموصِلِ يستَمِدُّه ويستحِثُّه على البريدي، فأرسل أبو محمَّد الحسن أخاه عليًّا في جيش كثيف، فلما كان بتكريت إذا الخليفةُ وابنُ رائق قد هربا فرجَعَ معهما عليُّ بنُ حمدان إلى أخيه، وخدَمَ عليٌّ الخليفةَ خِدمةً كثيرة، ولَمَّا وصلوا إلى الموصِل خرج عنها أبو محمَّد الحسن بن حمدان فنزل شَرقَها، وأرسل التُّحَف والضِّيافات، ولم يجئْ إلى الخليفةِ؛ خوفًا من الغائلة مِن جهةِ ابنِ رائق، فأرسل الخليفةُ ولده أبا منصور ومعه ابنُ رائق للسَّلام على الحسَنِ بن حمدان، فصارا إليه فأمر الحسَنُ أن يُنثَرَ الذهب والفضة على رأسِ ولد الخليفةِ، وجلسا عنده ساعةً، ثم قاما ورجعا، فركب ابنُ الخليفة وأراد ابنُ رائق أن يركَبَ معه، فقال له أبو محمَّد الحسن: اجلِسِ اليومَ عندي حتى نفكِّرَ فيما نصنَعُ في أمرنا هذا، فاعتذَرَ إليه بابنِ الخليفة واستراب بالأمرِ وخَشِيَ، فقَبَضَ ابن حمدانَ بكُمِّه فجبَذَه ابنُ رائق منه فانقطع كمُّه، وركب سريعًا فسقط عن فرسِه، فأمر الحسَنُ بقَتلِه فقُتِلَ، وذلك يوم الاثنين لسبعٍ بَقِينَ من رجب منها، فأرسل الخليفةُ إلى أبو محمَّد الحسَن بن حمدان فاستحضَرَه وخلَعَ عليه، ولَقَّبَه ناصرَ الدولة يومئذ، وجعله أميرَ الأمراءِ، وخلع على أخيه أبي الحسَنِ ولقَّبَه سيفَ الدولة يومئذٍ، ولَمَّا بلغ خبر مقتل ابن رائق إلى بغدادَ فارق أكثَرُ الأتراك أبا الحسين البريدي؛ لسوءِ سيرته، وقُبح سريرته، وقصدوا الخليفةَ وابنَ حمدان فتقَوَّى بهم، وركب هو والخليفةُ إلى بغداد، فلمَّا اقتَرَبوا منها هرَبَ عنها أبو الحسين أخو البريدي فدخلها المتَّقي لله ومعه بنو حمدان في جيوشٍ كثيرة، وذلك في شوال، ففرح المسلمونَ فرحًا شديدًا.