في هذه السَّنةِ ردَّ القرامِطةُ الحجَرَ الأسودَ المكِّيَّ إلى مكانه في البيت، وقد كان القرامطةُ أخذوه في سنة 317، وكان مَلِكُهم إذ ذاك أبا طاهر سُليمانَ بن أبي سعيد الجَنَّابي- لعنه الله- ولَمَّا وقع هذا أعظمَ المُسلِمونَ ذلك، وقد بذل لهم الأميرُ بجكم التركي قبل هذا العامِ خمسينَ ألف دينارٍ على أن يردوه إلى موضِعِه فلم يفعلوا، وقالوا: نحن أخذناه بأمرٍ فلا نرُدُّه إلَّا بأمرِ مَن أخذناه بأمرِه، وكَذَبوا فإنَّ الله تعالى قال: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28]، فلما كان في هذا العام 339 حملوه إلى الكوفةِ وعَلَّقوه على الأسطوانةِ السابعة مِن جامِعِها لِيَراه الناس، وكتب أخو أبي طاهر كتابًا فيه: "إنَّا أخَذْنا هذا الحجَرَ بأمرٍ، وقد ردَدْناه بأمرِ مَن أمَرَنا بأخذِه؛ ليتِمَّ حَجُّ الناسِ ومناسِكُهم"، ثم أرسلوه إلى مكَّةَ بغير شيء على قَعودٍ، فوصل في ذي القَعدة من هذه السنة، ولله الحمدُ والمنَّة، وكان مدَّة مغايبته عند القرامطة ثنتين وعشرين سنة، ففرح المسلمون لذلك فرحًا شديدًا، قال ابن كثير: " وقد ذكرَ غيرُ واحد أنَّ القرامطة لما أخذوه حملوه على عِدَّةِ جمالٍ فعَطِبَت تحته واعترى أسنِمَتَها القَرحُ، ولَمَّا ردوه حمَلَه قَعودٌ واحِدٌ ولم يُصِبْه أذًى"