لَمَّا مات سعدُ الدَّولةِ الحَمدانيُّ صاحِبُ حَلَب، سار الوزيرُ أبو الحسن المغربي من مَشهدِ عليٍّ إلى العزيز بمصرَ، وأطمَعَه في حلب، فسيَّرَ جيشًا وعليهم منجوتكين أحدُ أمرائه إلى حلب، فسار إليها في جيش ٍكثيفٍ فحَصَرها، وبها أبو الفضائلِ ولؤلؤٌ، فكتبا إلى بسيل مَلِكِ الرومِ يستَنجِدانِه، وهو يقاتِلُ البلغار، فأرسل بسيل إلى نائِبِه بأنطاكيةَ يأمُرُه بإنجاد أبي الفضائل، فسار في خمسينَ ألفًا، حتى نزل على الجسرِ الجديدِ بالعاصي، فلمَّا سَمِعَ منجوتكين الخبَرَ سار إلى الرومِ؛ ليلقاهم قبل اجتماعِهم بأبي الفضائلِ، وعبَرَ إليهم العاصي، وأوقعوا بالرُّومِ فهزموهم ووَلَّوا الأدبارَ إلى أنطاكيةَ، وكثُرَ القتلُ فيهم، وسار منجوتكين إلى أنطاكيةَ، فنهب بلَدَها وقُراها وأحرَقَها، وأنفذ أبو الفضائِلِ إلى بلَدِ حَلَب، فنَقَل ما فيه من الغِلالِ، وأحرق الباقيَ إضرارًا بعساكِرِ مِصرَ، وعاد منجوتكين إلى حلب فحصرها، فأرسل لؤلؤٌ إلى أبي الحسَنِ المغربي فبذل لهم مالًا ليَرُدُّوا منجوتكين عنهم هذه السَّنَة، بعِلَّةِ تَعَذُّرِ الأقوات، ففعلوا ذلك، وكان منجوتكين قد ضَجِرَ مِن الحرب، فأجابهم إليه وسار إلى دمشق، ولَمَّا بلغ الخبَرُ إلى العزيز، غَضِبَ وكتب بعَودِ العَسكرِ إلى حلب، وإبعاد المغربيِّ، وأنفذ الأقواتَ مِن مِصرَ في البحرِ إلى طرابلس، ومنها إلى العَسكرِ، فنازل العسكَرُ حَلَب، وأقاموا عليها ثلاثةَ عشَرَ شهرًا، فقَلَّت الأقواتُ بحَلَب، وعاد أبو الفضائِلِ إلى مراسلةِ مَلِك الرومِ والاعتضاد به، وقال له: متى أخِذَت حلب أخِذَت أنطاكية وعَظُم عليك الخَطبُ، وكان قد توسَّطَ بلادَ البلغار، فعاد وجَدَّ في السَّيرِ، وكان الزَّمانُ ربيعًا، وعسكَرُ مِصرَ قد أرسل إلى منجوتكين يعَرِّفُه الحال، وأتَتْه جواسيسُه بمِثلِ ذلك، فسار كالمنهَزِم عن حَلَب، ووصل مَلِكُ الرُّومِ، فنزل على باب حَلَب، وخرج إليه أبو الفضائلِ ولؤلؤ، وعاد إلى حَلَب، ورحَلَ بسيل إلى الشام، ففتح حِمصَ وشيزر ونهبَهما، وسار إلى طرابلس فنازَلَها، فامتنعت عليه، وأقام عليها نيفًا وأربعينَ يومًا، فلما أيِسَ منها عاد إلى بلادِ الروم، ولَمَّا بلغ الخبَرُ إلى العزيز عَظُم عليه، ونادى في النَّاسِ بالنَّفيرِ لِغَزوِ الروم، وبرز من القاهرةِ، وحدث به أمراضٌ مَنَعتْه، وأدركه الموتُ.