مَلَك يَمينُ الدَّولةِ محمودُ بنُ سبكتكين سجستانَ، وانتزَعَها مِن يدِ خلَفِ بنِ أحمدَ الصَّفَّار، وكان سبَبُ أخْذِها أنَّ يمينَ الدَّولةِ لَمَّا رحَلَ عن خلَفٍ بعد أن صالَحَه، سنة تسعينَ وثلاثمِئَة، عَهِدَ خَلَفٌ إلى ولَدِه طاهرٍ، فلمَّا استقَرَّ طاهِرٌ في المُلكِ عقَّ أباه وأهمَلَ أمْرَه، فلاطَفَه أبوه ورفَقَ به، حتى قبضَ على أبيه وسَجَنه، وبقِيَ في السِّجنِ إلى أن مات فيه، وأظهَرَ عنه أنَّه قتَلَ نَفسَه، ولَمَّا سَمِعَ عَسكَرُ خَلَف وصاحِبُ جيشِه بذلك، تغيَّرَت نيَّاتُهم في طاعتِه وكَرِهوه، وامتَنَعوا عليه في مدينتِه، وأظهروا طاعةَ يمينِ الدَّولة، وخطَبوا له، وأرسلوا إليه يطلُبونَ مَن يتسَلَّمُ المدينةَ، ففعَلَ ومَلَكَها، واحتوى عليها في هذه السَّنةِ، وعزَمَ على قَصدِ خَلَف وأخْذِ ما بيده والاستراحةِ مِن مَكْرِه. فسار إليه، وهو في حِصنِ الطاق، وله سبعةُ أسوارٍ مُحكَمة، يُحيطُ بها خَندقٌ عَميقٌ عَريضٌ، لا يُخاضُ إلَّا مِن طريقٍ على جِسرٍ يُرفَعُ عند الخَوفِ، فنازله وضايقَه فلم يصِلْ إليه، فلم يزَلْ أصحابُ يمينِ الدَّولةِ يدفعونَهم، فلمَّا رأى خلَفٌ اشتدادَ الحَربِ، وأنَّ أسوارَه تُملَكُ عليه، وأنَّ أصحابَه قد عجزوا، أرسلَ يَطلُبُ الأمانَ، فأجابه يمينُ الدَّولةِ إلى ما طلَبَ، وكَفَّ عنه، فلمَّا حَضَر عنده أكرَمَه واحتَرَمه، وأمر بالمُقامِ في أيِّ البلادِ شاء.