سار يمينُ الدَّولةِ إلى الهندِ غازيًا، واحتَشَد وجَمَع، واستَعَدَّ وأعَدَّ، وسبَبُ هذا أنَّ بيدا أكبَرَ مُلوكِ الهند قَوِيَ أمْرُه واستمال إليه كُلَّ مَن كان يمينُ الدَّولةِ قد هَزَمَهم ووعَدَهم بإعادةِ مُلكِهم لهم، فتجَهَّزَ يمينُ الدَّولة للغَزوِ، وقصَدَ بيدا، وابتدأ في طريقِه بالأفغانيَّةِ، وهم كُفَّارٌ، فغَنِمَ المُسلِمونَ مِن أموالِهم الكثيرُ، ثمَّ واصَلَ المَسيرَ، وبلَغَ إلى مكانٍ لم يَبلُغْه فيما تقَدَّمَ مِن غَزَواتِه، وعَبَرَ نَهرَ كنك، ولم يَعبُرْه قَبلَها، فأتاه في الطَّريقِ خَبَرُ مَلِكٍ مِن مُلوكِ الهِندِ يقال له تروجنبال قد سار مِن بينِ يديه مُلتَجِئًا إلى بيدا ليحتَمِيَ به عليه، فطوى المَراحِلَ، فلَحِقَ تروجنبال ومَن معه، رابِعَ عَشَرَ من شَعبان، فاقتتلوا وانهزم تروجنبال ومَن معه، وكَثُر فيه القَتلُ والأسْرُ، وأسلَموا أموالَهم وأهلِيهم، فغَنِمَها المسلمون، وانهزم مَلِكُهم جريحًا، وتحيَّرَ في أمْرِه، وأرسل إلى يمينِ الدَّولة يطلُبُ الأمانَ فلم يُؤَمِّنْه، ولم يقنَعْ منه إلَّا الإسلام، وقتَلَ مِن عساكِرِه ما لا يُحصى، وسار تروجنبال ليلحَقَ ببيدا، فانفَرَدَ به بعضُ الهنودِ فقَتَلَه. فلما رأى ملوكُ الهند ذلك تابعوا رسُلَهم إلى يمينِ الدَّولةِ يَبذُلونَ له الطاعةَ والإتاوةَ. وسار يمينُ الدَّولة بعد الوقعةِ إلى مدينة باري، وهي من أحصَنِ القِلاعِ والبِلادِ وأقواها، فرآها مِن سُكَّانِها خاليةً، وعلى عُروشِها خاويةً، فأمَرَ بهَدمِها وتخريبِها وعَشْر قِلاعٍ معها مُتَناهية الحَصانة، وقتَلَ مِن أهلِها خلقًا كثيرًا، وسار يطلُبُ بيدا المَلِك، فلَحِقَه وقد نزل إلى جانبِ نهرٍ، وأجرى الماءَ مِن بين يديه فصار وحْلًا، وتَرَك عن يمينِه وشماله طريقًا يَبسًا يقاتِلُ منه إذا أراد القِتالَ، وكان عِدَّةُ مَن معه ستَّةَ وخمسينَ ألف فارس، ومِئَةَ ألفٍ وأربعةً وثمانينَ ألفَ راجلٍ، وسبعَمئة وستةً وأربعين فيلًا، فأرسل يمينُ الدَّولة طائفةً من عَسكَرِه للقِتالِ، فأخرج إليهم بيدا مِثلَهم، ولم يزَلْ كُلُّ عَسكرٍ يَمُدُّ أصحابَه، حتى كثُرَ الجمعان، واشتَدَّ الضَّربُ والطعان، فأدرَكَهم اللَّيلُ وحجز بينهم، فلمَّا كان الغَدُ بكَّرَ يمينُ الدَّولة إليهم، فرأى الدِّيارَ منهم بلاقِعَ، ورَكِبَ كُلُّ فرقةٍ منهم طريقًا مخالِفًا لطريق الأخرى. ووجد خزائِنَ الأموالِ والسِّلاحِ بحالها، فغَنِموا الجميعَ، واقتفى آثارَ المُنهَزِمين، فلَحِقوهم في الغِياضِ والآجامِ، وأكثَروا فيهم القَتلَ والأسْرَ، ونجا بيدا فريدًا وحيدًا، وعاد يمينُ الدَّولة إلى غزنةَ مَنصورًا.