كان لأهلِ الهندِ صَنمٌ مَعروفٌ بسومنات يُعَظِّمونَه أشَدَّ التَّعظيمِ، ويقَدِّمونَ له مِن القَرابينِ ما لا يُقَدَّمُ لصَنَمٍ غَيرِه، وكان يمينُ الدَّولة كلَّما فتَحَ مِن الهندِ فتحًا، وكسَرَ صنمًا يقولُ الهنود: إنَّ هذه الأصنامَ قد سَخِطَ عليها سومنات، ولو أنَّه راضٍ عنها لأهلَكَ مَن تقَصَّدَها بسُوءٍ، وقد كانوا يَفِدونَ إليه مِن كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ، كما يفِدُ النَّاسُ إلى الكعبةِ بالبيتِ الحَرامِ، ويُنفِقونَ عنده النَّفَقاتِ والأموالَ الكثيرةَ التي لا تُوصَفُ ولا تُعَدُّ، وكان عليه من الأوقافِ عَشرةُ آلافِ قَريةٍ ومدينةٍ مشهورةٍ، وقد امتلأت خزائِنُه أموالًا، وعنده ألفُ رجُلٍ يَخدُمونَه، ومئاتُ الرِّجالِ يَحلِقونَ رُؤوسَ حَجيجِه، وكان عنده من المجاورينَ ألوفٌ يأكُلونَ مِن أوقافِه، فلَمَّا بلغ خبَرُ هذا الصَّنمِ وعُبَّادِه السُّلطانَ يَمينَ الدَّولةِ محمودَ الغَزنويَّ، عَزَمَ على غَزوِه وإهلاكِه, فاستخار اللهَ لِما بلَغَه مِن كَثرةِ الهُنودِ في طريقِه، والمفاوِز المُهلِكة، والأرض الخَطِرة، في تجَشُّم ذلك في جَيشِه، وعليه أن يقطَعَ تلك الأهوالَ، فانتَدَب معه ثلاثون ألفًا مِن المُقاتِلة مِمَّن اختارهم لذلك سِوى المتطَوِّعةِ، فسَلَّمَهم اللهُ حتى انتَهَوا إلى بلدِ هذا الوَثَن، ونزلوا بساحةِ عُبَّادِه، فإذا هو بمكانٍ بقَدرِ المدينةِ العظيمة، فما أسرَعَ أن مَلَكَه، وقتَلَ مِن أهله خمسينَ ألفًا وقلَعَ الوَثَن وأوقد تحته النَّارَ. قال ابنُ كثير: "ذكر غيرُ واحدٍ أنَّ الهنودَ بَذَلوا للسُّلطانِ مَحمود أموالًا جزيلةً لِيَترُكَ لهم هذا الصَّنمَ الأعظَمَ، فأشار من أشار مِن الأمراءِ على السلطان محمود بأخذِ الأموالِ وإبقاءِ هذا الصَّنَم لهم، فقال: حتى أستخيرَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، فلمَّا أصبَحَ قال: إنِّي فكَّرتُ في الأمرِ الذي ذُكِرَ، فرأيتُ أنَّه إذا نودِيتُ يومَ القيامةِ أين محمود الذي كسَرَ الصَّنَم، أحَبُّ إليَّ مَن أن يقالَ: الذي ترَكَ الصَّنَمَ لأجْلِ ما ينالُه من الدُّنيا! ثمَّ عَزَم رَحِمَه اللهُ فكَسَرَه، فوجد عليه وفيه مِن الجواهِرِ واللآلئِ والذَّهَبِ والجواهِرِ النَّفيسة ما يُنَيِّفُ على ما بَذَلوه له بأضعافٍ مُضاعَفةٍ، ونرجو مِن اللهِ له في الآخرةِ الثَّوابَ الجَزيلَ الذي مِثقالُ دانقٍ منه خيرٌ مِن الدنيا وما فيها، مع ما حصَلَ له من الثَّناءِ الجَميلِ الدُّنيوي، فرَحِمَه اللهُ وأكرَمَ مَثواه", ثمَّ رحَلَ يَمينُ الدَّولة عائدًا إلى غزنة، فوصَلَها عاشِرَ صَفَر سنة 417.