بعدَ أن فَرغَ طُغرلبك من أَخيهِ إبراهيمَ وغيرِ ذلك من المَشاغلِ أَسرعَ بالعَوْدِ إلى بغداد وليس له هم إلَّا إِعادةُ الخَليفةِ لدارهِ، وكان قد راسلَ البساسيري على أن يُعيدوا الخَليفةَ ويَقنَع هو بعَدمِ العَودةِ إلى بغداد فلم يَرضَ البساسيري، فتَمكَّنَت عَساكرُ طُغرلبك مِن قَتلِه في ذي الحجَّةِ سَنةَ451هـ. أَرسلَ طُغرلبك مِن الطَّريقِ الإمامَ أبا بكرٍ أحمدَ بن محمدِ بن أيوبَ المعروف بابنِ فورك، إلى قُريشِ بن بَدران يَشكُرهُ على فِعلِه بالخَليفةِ، وحِفظِه على صِيانَتِه ابنةِ أَخيهِ امرأةِ الخليفةِ، ويُعرِّفهُ أنَّه قد أَرسلَ أبا بكرِ بن فورك للقيامِ بخِدمةِ الخليفةِ، وإحضارِهِ، وإحضارِ أرسلان خاتون ابنةِ أَخيهِ امرأةِ الخليفةِ، ولمَّا سَمِعَ قُريشٌ بِقَصدِ طُغرلبك العِراقَ أَرسلَ إلى مهارش بن مجلي الندوي يُحَرِّضُهُ على عَدمِ تَسليمِ الخَليفةِ حتى يَستَطيعوا أن يَشرُطوا ما يريدون؛ لكنَّهُ أَبَى عليهم ذلك، وسار مهارش ومعه الخليفةُ حادي عشر ذي القعدةِ سَنةَ إحدى وخمسين وأربعمائة إلى العِراقِ، وجَعَلا طَريقَهما على بَلدِ بَدرِ بن مهلهل لِيَأمَنَا مَن يَقصِدهُما، ووَصلَ ابنُ فورك إلى حلَّةِ بدرِ بن مهلهل، وطلبَ منه أن يُوصِلَهُ إلى مهارش، فجاء إنسانٌ سوادي إلى بدرٍ وأَخبرهُ أنَّه رأى الخليفةَ ومهارشًا بتل عكبرا، فسُرَّ بذلك بَدرٌ ورَحلَ ومعه ابنُ فورك، وخَدَماهُ، وحَملَ له بَدرٌ شَيئًا كَثيرًا، وأَوصلَ إليه ابنُ فورك رِسالةَ طُغرلبك وهَدايا كَثيرةً أَرسلَها معه، ولمَّا سَمِعَ طُغرلبك بوُصولِ الخليفةِ إلى بَلدِ بَدرٍ أَرسلَ وَزيرَه الكندريَّ، والأُمراءَ، والحُجَّابَ، وأَصحبَهم الخِيامَ العَظيمةَ، والسُّرادِقات، والتُّحَف مِن الخَيلِ بالمَراكِب الذَّهبِ وغيرِ ذلك، فوَصَلوا إلى الخليفةِ وخَدموهُ ورَحَلوا، ووَصلَ الخليفةُ إلى النَّهروان في الرابعِ والعشرين من ذي القعدةِ، وخَرجَ السُّلطانُ إلى خِدمتِه، واعتَذرَ مِن تَأَخُّرِه بعِصيانِ إبراهيمَ، وأنه قَتَلَهُ عُقوبةً لِمَا جَرى منه من الوَهَنِ على الدَّولةِ العبَّاسيَّة، وبِوَفاةِ أَخيهِ داودَ بخُراسان، وأنه اضطرَّ إلى التَّرَيُّثِ حتى يُرَتِّبَ أَولادَهُ بعدَه في المملكةِ، ثم إنَّ الخليفةَ لم يَدخُل بغدادَ إلَّا في هذه السَّنَةِ في صفر في السابع عشر منها.