سَمِعَ ألب أرسلان أن شهابَ الدَّولةِ قُتلمش السلجوقي، قد عَصَى عليه، وجَمعَ جُموعًا كَثيرةً، وقَصدَ الرَّيَّ ليَستَولي عليها، فجَهَّزَ ألب أرسلان جَيشًا عَظيمًا وسَيَّرَهُم على المَفازَةِ إلى الرَّيِّ، فسَبَقوا قُتلمش إليها، وسار ألب أرسلان من نيسابور أَوَّلَ المُحرَّم من هذه السَّنَةِ، فلمَّا وَصلَ إلى دامغان أَرسَل إلى قُتلمش يُنكِر عليه فِعلَه، ويَنهاهُ عن ارتكابِ هذا الحالِ، ويَأمرُه بِتَركِها، فإنَّه يَرعَى له القَرابةَ والرَّحِمَ، فأجابَ قُتلمش جوابَ مُغْتَرٍّ بمَن معه مِن الجُموعِ، ونَهَبَ قُرَى الرَّيِّ، وأَجرَى الماءَ على وادي المِلْحِ، وهي سَبِخَةٌ، فتَعَذَّرَ سُلوكُها، وقَرُبَ السُّلطانُ من قُتلمش، فلَبِسَ المَلِكُ السِّلاحَ، وعَبَّأَ الكتائِبَ، واصطَفَّ العَسكرانِ فقَصدَ قُتلمش المحاجزة، وجَعلَ السَّبِخَة بينه وبين ألب أرسلان لِيَمتَنِعَ من اللِّقاءِ, فسَلكَ ألب أرسلان طَريقًا في الماءِ، وخاضَ غَمْرَتَهُ، وتَبِعَهُ العَسكرُ، فطَلَعَ منه سالِمًا هو وعَسكرُه، فصاروا مع قُتلمش واقتَتَلوا، فلم يَثبُت عَسكرُ قُتلمش لِعَسكرِ السُّلطانِ، وانهَزَموا لِساعَتِهم، ومَضَى مُنهَزِمًا إلى قَلعةِ كردكوه، وهي مِن جُملةِ حُصونِه ومَعاقِلِه، وكَثُرَ القَتلُ والأَسْرُ في عَسكرِه، وأراد السُّلطانُ قَتلَ الأَسْرَى، فشَفَعَ فيهم نِظامُ المُلْكِ فعَفَا عنهم وأَطلقَهم، ولمَّا سَكَنَ الغُبارُ، ونَزلَ العَسكرُ، وُجِدَ قُتلمش مَيِّتًا مُلقًى على الأرضِ لا يُدرَى كيف كان مَوتُه، قيلَ: إنَّه مات من الخَوفِ، والله أَعلمُ، فبَكَى السُّلطانُ لِمَوتِه، وقَعَدَ لِعَزائِه، وعَظُمَ عليه فَقْدُهُ، فسَلَّاهُ نِظامُ المُلْكِ، ودَخلَ ألب أرسلان إلى مدينة الرَّيِّ آخرَ المُحرَّم من السَّنَةِ.