الفَقيهُ الشافعيُّ أبو القاسمِ عبدُ الكَريمِ بنُ هوازن القُشيريُّ، النَّيسابوريُّ، مُصَنِّفُ ((الرِّسالة القُشيريَّة)) المشهورة وغيرَها، كان عَلَّامةً في الفِقْهِ والتَّفسيرِ والحَديثِ والأُصولِ والكِتابَةِ والأَدبِ والشِّعْرِ وعِلْمِ التَّصَوُّفِ، جَمعَ بين الشَّريعَةِ والحَقيقَةِ، أَصلُه من ناحِيَةِ أستوا من العَربِ الذين قَدِموا خُراسان، وُلِدَ في شَهرِ رَبيعٍ الأَوَّلِ سَنةَ 376هـ. تُوفِّي أَبوهُ وهو صَغيرٌ، فَقرأَ واشتَغلَ بالأَدبِ والعَربيَّةِ في صِباهُ، وكان أَوَّلًا من أَبناءِ الدُّنيا، فجَذَبَهُ أبو عليٍّ الدَّقَّاقُ فصارَ من الصُّوفِيَّةِ, وتَفَقَّه على بكرِ بنِ محمدٍ الطُّوسيِّ، وأَخذَ الكَلامَ عن ابنِ فورك، وصَنَّفَ ((التَّفسير الكَبير)) و((لَطائِف الإشارات))، وكان يَعِظُ ويَتَكلَّم بكَلامِ الصُّوفيَّةِ, وبعدَ وَفاةِ أبي عليٍّ الدَّقَّاقِ سَلَكَ مَسلَكَ المُجاهَدَةِ والتَّجريدِ وأَخذَ في التَّصنيفِ، وخَرجَ إلى الحَجِّ في رُفقَةٍ فيها الشيخُ أبو محمدٍ الجوينيُّ والدُ إمامِ الحَرمَينِ، وأَحمدُ بنُ الحُسينِ البيهقيُّ وجَماعةٌ من المَشاهيرِ، فسَمِعَ معهم الحَديثَ ببغدادَ والحِجازِ, وكان له في الفُروسِيَّةِ واستِعمالِ السِّلاحِ يَدٌ بَيضاءُ، وأمَّا مَجالِسُ الوَعْظِ والتَّذكيرِ فهو إمامُها، وعَقَدَ لِنَفسِه مَجلِسَ الإملاءِ في الحَديثِ. ذَكَرَهُ الخَطيبُ في تاريخِه قال: "قَدِمَ علينا في سَنةِ 448هـ، وحَدَّثَ ببغداد، وكَتَبنا عنه، وكان ثِقَةً، وكان يَقُصُّ، وكان حَسَنَ المَوعِظَةِ، مَلِيحَ الإشارةِ، وكان يَعرِف الأُصولَ على مَذهبِ الأَشعريِّ، والفُروعَ على مَذهبِ الشافعيِّ" وتُوفِّيَ صَبيحةَ يومِ الأحدِ قبلَ طُلوعِ الشمسِ سادس عشر ربيعٍ الآخر سَنةَ 465هـ بمَدينةِ نَيسابور، عن 89 عامًا, ودُفِنَ بالمدرسةِ تحت شَيخِه أبي عليٍّ الدَّقَّاقِ.