جَمعَ تاجُ الدولةِ تتش جَمْعًا كَثيرًا، وسار عن بغداد، وقَصدَ بِلادَ الرُّومِ أنطاكية وما جاوَرَها، فسَمِعَ صاحِبُ حَلَب، شَرفُ الدولةِ أبو المَكارِم مُسلمُ بن قُريشٍ أَميرُ بَنِي عُقيلٍ الخَبرَ، فخافَهُ، فجَمعَ العَربَ من عُقيلٍ، والأَكرادَ، وغَيرَهم، فاجتَمعَ معه جَمْعٌ كَثيرٌ، فراسَلَ صاحِبَ مصر الفاطميَّ يَطلُب منه إِرسالَ نَجدَةٍ إليه لِيَحصُرَ دِمشقَ، فوَعَدهُ ذلك فسار إليها. فلمَّا سَمِعَ تتش الخَبرَ عاد إلى دِمشقَ، فوَصلَها أَوَّلَ المُحرَّم سَنةَ 476هـ، ووَصلَ شَرفُ الدولةِ أواخِرَ المُحرَّم، وحَصرَ المدينةَ وقاتَلَهُ أَهلُها، وفي بَعضِ الأيامِ خَرجَ إليه عَسكرُ دِمشقَ وقاتَلوهُ، وحَملَ على عَسكرِه حَملةً صادِقةً، فانكَشَفوا وتَضَعْضَعوا، وانهَزمَت العَربُ، وثَبَتَ شَرفُ الدولةِ، وأَشرَفَ على الأَسْرِ، وتَراجَع إليه أَصحابُه، فلمَّا رَأى شَرفُ الدولةِ ذلك، ورَأى أيضًا أنَّ مصر لم يَصِل إليه منها عَسكرٌ، وأَتاهُ عن بِلادِه الخَبرُ أنَّ أَهلَ حران عَصَوا عليه رَحَلَ عن دِمشقَ إلى بِلادِه، وأَظهرَ أنَّه يُريدُ البِلادَ بفِلسطين، فرَحلَ أوَّلًا إلى مرج الصفرِ، فارتاعَ أَهلُ دِمشقَ وتتش واضطَرَبوا، ثم إنَّه رَحلَ من مرج الصفرِ مُشَرِّقًا في البَرِّيَّةِ وجَدَّ في مَسيرِه، فهَلَكَ من المواشي الكَثيرُ مع عَسكرِه، ومن الدَّوابِّ شَيءٌ كَثيرٌ، وانقَطعَ خَلْقٌ كَثيرٌ.