هو الوَزيرُ الكَبيرُ، نِظامُ المُلْكِ، قِوامُ الدِّينِ، أبو عليٍّ الحَسنُ بن عليِّ بن إسحاقَ الطُّوسيُّ، وَزيرُ السُّلطانِ ملكشاه السلجوقي، عاقِلٌ، سائِسٌ، خَبيرٌ، سَعيدٌ، مُتَدَيِّنٌ، مُحتَشِمٌ، عامِرُ المَجلِس بالقُرَّاءِ والفُقَهاءِ. أَنشأَ المَدرسةَ النِّظامِيَّة الكُبرى ببغداد، ثم أَنشأَ مَدارسَ أُخرى في عَددٍ من البُلدانِ, ورَغَّبَ في العِلمِ، وأَدَرَّ على الطَّلَبَةِ الصِّلاتِ، وأَملَى الحَديثَ، وبَعُدَ صِيتُه. وُلِدَ سَنةَ 408هـ بنوقان، إحدى مَدينَتي طُوس، وكان من أَولادِ الدَّهَّاقِين بناحِيَةِ بيهق، وكان فَقيرًا مَشغولًا بسَماعِ الحَديثِ والفِقْهِ، وقَرأَ النَّحْوَ، خَتَمَ القُرآنَ وله إحدى عشرة سَنَةً، وعَمِلَ بالكِتابَةِ والدِّيوانِ، وخَدَمَ بغزنةَ، ثم بعدَ حينٍ اتَّصَلَ بداود بن ميكائيل السلجوقيِّ فظَهَرَ له منه النُّصْحُ والمَحَبَّةُ،، فأَخذَهُ بِيَدِهِ وسَلَّمَهُ إلى وَلَدِه ألب أرسلان، وقال له: يا محمد، هذا حَسَنٌ الطُّوسيُّ اتَّخِذهُ والِدًا ولا تُخالِفهُ. فلمَّا وَصَلَ المُلْكُ إلى ألب أرسلان استَوزَرَهُ، فدَبَّرَ مُلكَه عشر سنين. ولمَّا ماتَ ألب أرسلان، ازدَحَم أَولادُه على المُلْكِ، فقام بأَمْرِ ملكشاه حتّى تَمَّ أَمرُه ومَلَكَ السَّلطَنَةَ. كان نِظامُ المُلْكِ عاليَ الهِمَّةِ، وافِرَ العَقلِ، عارِفًا بتَدبيرِ الأُمورِ، وخَفَّفَ المَظالِمَ، ورَفَقَ بالرَّعايا، وبَنَى الوُقوفَ، وهاجَرَت الكِبارُ إلى جَنابِه، وازدادَت رِفعَتُه. قال الذهبيُّ: "كان شافِعيًّا أَشعَريًّا. سار إلى غزنة، فصار كاتِبًا نَجيبًا، إليه المُنتَهى في الحِسابِ، وبَرَعَ في الإنشاءِ، وكان ذَكِيًّا، لَبيبًا، يَقِظًا، كامِلَ السُّؤدَدِ. قيل: إنه ما جَلَسَ إلا على وُضوءٍ، وما تَوضَّأ إلا تَنَفَّلَ، ويَصومُ الاثنين والخميس، جَدَّدَ عِمارةَ خوارزم، ومَشهدَ طوس، وعَمِلَ بيمارستانا، وبَنَى مَدارِسَ بمَرو، وهراة، وبلخ، والبَصرَة، وأصبهان، وكان حَلِيمًا رَزينًا جَوادًا، صاحِبَ فُتُوَّةٍ واحتِمالٍ ومَعروفٍ كَثيرٍ إلى الغايَةِ، ويُبالِغ في الخُضوعِ للصَّالِحين". قال ابنُ عَقيلٍ: "بَهَرَ العُقولَ سِيرَةُ النِّظامِ جُودًا وكَرمًا وعَدلًا، وإحياءً لِمَعالِمِ الدِّين، كانت أيامُه دَولةَ أَهلِ العِلمِ، ثم خُتِمَ له بالقَتلِ وهو مارٌّ إلى الحَجِّ، في رمضان، فماتَ مَلِكًا في الدنيا، مَلِكًا في الآخرة" في عاشر رمضان قُتِلَ نِظامُ المُلْكِ أبو عليٍّ الحَسنُ بن عليِّ بن إسحاقَ الوَزيرُ بالقُرْبِ من نهاوند، وكان هو والسُّلطانُ في أصبهان، وقد عاد إلى بغداد، فلمَّا كان بهذا المكان، بعد أن فَرَغَ من إفطارِه، وخَرجَ في مَحِفَّتِه إلى خَيمةِ حَرَمِه، أَتاهُ صَبِيٌّ دَيلميٌّ من الباطِنيَّةِ، في صورة مُستَميحٍ، أو مُستَغيثٍ، فضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ كانت معه، فقَضَى عليه وهَرَبَ، فعَثَرَ بطُنُبِ خَيمَةٍ، فأَدرَكوهُ فقَتَلوهُ، فسَكَنَ عَسكرُه وأَصحابُه، وقيل: إن قَتْلَهُ كان بتَدبيرِ السُّلطانِ، فلم يُمهَل بعدَه إلا نحوَ شَهرٍ، وبقي كانت وِزارتُه لبَنِي سلجوق أربعًا وثلاثين سَنةً- وقيل: أربعين سَنةً- تُوفِّي عن سِتٍّ وسبعين سَنةً.