غَدَرَ شاهملك التُّركيُّ بِيَحيى بنِ تَميمِ بنِ المُعِزِّ بنِ باديس، وقَبَضَ عليه، وكان شاهملك هذا من أَولادِ بَعضِ الأُمراءِ الأَتراكِ ببلادِ الشَّرقِ، فنالَهُ في بَلدِه أَمْرٌ اقتَضى خُروجَه منه، فسار إلى مصر في مائةِ فارسٍ، فأَكرَمَهُ الأَفضلُ أَميرُ الجُيوشِ، وأَعطاهُ إِقطاعًا ومَالًا، ثم بَلَغَهُ عنه أَسبابٌ أَوجبَت إِخراجَه من مصر، فخَرجَ هو وأَصحابُه هارِبينَ، فاحتالوا حتى أَخَذوا سِلاحًا وخَيْلًا وتَوجَّهوا إلى المغربِ، فوَصَلوا إلى طرابلس الغَربِ، وأَهلُ البَلدِ كارِهونَ لِوالِيها، فأَدخَلوهُم البَلدَ، وأَخرَجوا الوالي، وصار شاهملك أَميرَ البلدِ، فسَمِعَ تَميمٌ الخَبرَ، فأَرسلَ العَساكِرَ إليها، فحَصَروها، وضَيَّقوا على التُّركِ ففَتَحوها، ووَصَلَ شاهملك معهم إلى المَهدِيَّةِ، فسُرَّ بهِ تَميمٌ وبمَن معه، فخَرجَ يحيى بنُ تَميمٍ إلى الصَّيْدِ في جَماعةٍ من أَعيانِ أَصحابِه نحوَ مائةٍ فارسٍ، ومعه شاهملك، فغَدَرَ به شاهملك فقَبَضَ عليه، وسار به وبمَن أُخِذَ معه مِن أَصحابِه إلى مَدينةِ سفاقس، وبَلغَ الخَبرُ تَميمًا، فرَكِبَ، وسَيَّرَ العَساكرَ في إثرِهِم، فلم يُدرِكوهُم، ووَصلَ شاهملك بِيَحيى بنِ تَميمٍ إلى سفاقس، ثم إن صاحِبَ سفاقس خاف يحيى على نَفسِه أن يَثُورَ معه الجُنْدُ وأَهلُ البَلدِ ويُمَلِّكوهُ عليهم، فأَرسلَ إلى تَميمٍ كِتابًا يَسألُه في إِنفاذِ الأَتراكِ وأَولادِهم إليه لِيُرسِلَ ابنَه يحيى، ففَعلَ ذلك بعدَ امتِناعٍ، وقَدِمَ يَحيى، فحَجَبَهُ أَبوهُ عنه مُدَّةً، ثم أَعادَهُ إلى حالِه، ورَضِيَ عنه، ثم جَهَّزَ تَميمٌ عَسكرًا إلى سفاقس، ويحيى معهم، فساروا إليها وحَصَروها بَرًّا وبَحرًا، وضَيَّقوا على الأَتراكِ بها، وأَقاموا عليها شَهرَينِ، واستَولُوا عليها، وفارَقَها الأَتراكُ إلى قابس.