هو أميرُ المؤمنين الخليفة العباسي المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر الهاشمي، العباسي، البغدادي. ولد في شوال سنة 470، وأمه أمُّ ولدٍ، واستُخلِف عند وفاة أبيه في تاسع عشر المحرم وله ست عشرة سنة وثلاثة أشهر، وذلك في سنة 487. كان خيِّرًا فاضلًا ذكيًّا بارعًا كريم الأخلاق، ليِّن الجانب، سخيَّ النفس، مؤثرًا للإحسان، حافظًا للقرآن، محبًّا للعلم، منكرًا للظلم، فصيح اللسان، كتب الخط المنسوب, وكانت أيامه ببغداد كأنها الأعياد، وكان راغبًا في البر والخير، مسارعًا إلى ذلك، لا يرُدُّ سائلًا، وكان جميل العشرة لا يُصغي إلى أقوال الوُشاة من الناس، ولا يثق بالمباشرين، وقد ضبط أمور الخلافة جيدًا، وأحكمها وعلمها، وكان لديه علم كثير، وله شِعر حسن. قال ابن النجار: "كان المستظهر موصوفًا بالسخاء والجود، ومحبة العلماء، وأهل الدين، والتفقد للمساكين، مع الفضل والنُّبل والبلاغة، وعلو الهمة، وحسن السيرة، وكان رضي الأفعال، سديد الأقوال". ولما بويع بالخلافة استوزر أبا منصور ابن جهير، وقال له: "الأمور مفوَّضة إليك، والتعويل فيها عليك؛ فدبِّرها بما تراه. فقال: هذا وقتٌ صعب، وقد اجتمعت العساكر ببغداد مع السلطان الذي عندنا، ولا بد من بذل الأموال التي تستدعي إخلاصهم وطاعتهم. فقال له: الخزائن بحُكمك؛ فتصرَّفْ فيها عن غير استنجاز ولا مراجعة ولا محاسبة. فقال: ينبغي كتمان هذه الحال إلى أن يصلح نشرها". توفي المستظهر بالله سحرَ ليلة الخميس سادس عشرين ربيع الآخر؛ مَرِض ثلاثة عشر يومًا من تراقي –دمَّل يطلع في الحلق- ظهر به، وبلغ إحدى وأربعين سنة وستة أيام، وكانت خلافته أربعًا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يومًا، وقد ولي غسله ابن عقيل أبو الوفا الحنبلي، وابن السني، وصلى عليه ولده أبو منصور الفضل، ودفن في حجرة كان يسكنها، ومن غريب الاتفاق أنه لما توفي السلطان ألب أرسلان توفي بعده الخليفة القائم بأمر الله، ولما توفي السلطان ملكشاه توفي بعده الخليفة المقتدي بأمر الله، ولما توفي السلطان محمد توفي بعده الخليفة المستظهر بالله. لما توفي المستظهر بالله بويع ولدُه المسترشد بالله أبو منصور الفضل بن أبي العباس أحمد بن المستظهر بالله، وكان وليَّ عهد أبيه, وقد خُطب له وليًّا للعهد ثلاثًا وعشرين سنة، فبايعه أخواه ابنا المستظهر بالله، وهما أبو عبد الله محمد، وأبو طالب العباس، وعمومته بنو المقتدي بأمر الله، وغيرهم من الأمراء والقضاة والأئمة والأعيان، وكان المتولي لأخذ البيعة القاضي أبو الحسن الدامغاني، وكان نائبًا عن الوزارة فأقرَّه المسترشد بالله عليها.