هو أمير المؤمنين أبو منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد ابن المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم عبد الله بن القادر القرشي الهاشمي العباسي البغدادي. مولده في شعبان سنة 486 في أيام جده المقتدي، وخُطب له بولاية العهد وهو يرضع، وضُرِبت السكة باسمه, وكان له خطٌّ بديع، ونثر صنيع، ونظم جيد، مع دين ورأي، وشهامة وشجاعة، وكان خليقًا للخلافة، قليل النظير. قال ابن النجار: إن المسترشد كان يتنسك في أول زمنه، ويلبس الصوف ويتعبد، وختم القرآن وتفقَّه، لم يكن في الخلفاء من كَتَبَ أحسن منه، وكان يستدرك على كتَّابه، ويُصلح أغاليطَ في كتبهم، وكان ابن الأنباري يقول: "أنا ورَّاق الإنشاء ومالك الأمر يتولى ذلك بنفسِه الشريفة, وهو ذو شهامة وهيبة، وشجاعة وإقدام، ولم تزل أيامه مكدرة بتشويش المخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته إلى أن خرج فكُسِر وأُسِر، ثم استُشهِد على يد الملاحدة، وكان قد سمع الحديثَ". وكان سبب قتله لما أَسر السلطان مسعود المسترشد بالله وأنزله في خيمة، ووكل به من يحفظه، وقام بما يجِبُ من الخدمة، وترددت الرسل بينهما في الصلح وتقرير القواعد على مالٍ يؤديه الخليفة، وألَّا يعود يجمع العساكر، وألَّا يخرجَ من داره. فأجاب السلطان إلى ذلك، وأركب الخليفة وحمل الغاشية بين يديه ولم يبقَ إلا أن يعود إلى بغداد. فوصل الخبر أن الأمير قران خوان قد قَدِمَ رسولًا من السلطان سنجر، فتأخَّر مسير المسترشد لذلك، وخرج الناس والسلطان مسعود إلى لقائه، وفارق الخليفة بعض من كان موكلًا به، وكانت خيمته منفردة عن العسكر، فقصده أربعة وعشرون رجلًا من الباطنية ودخلوا عليه فقتلوه، وجرحوه ما يزيد على عشرين جراحة، ومثَّلوا به فجدعوا أنفه وأُذنيه وتركوه عريانًا، فقُتِل معه نفر من أصحابه، منهم أبو عبد الله بن سكينة، وكان قتلُه يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة على باب مراغة، وبقي حتى دَفَنه أهل مراغة. وأما الباطنية فقُتِل منهم عشرة، وقيل: بل قُتِلوا جميعهم، فكانت خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يومًا، ولما قتل المسترشد بالله بويع ولده أبو جعفر المنصور، ولُقِّب الراشد بالله، وكان المسترشد قد بايع له بولاية العهد في حياته، وجُدِّدت له البيعة بعد قتله يوم الاثنين السابع والعشرين من ذي القعدة، وكتب السلطان مسعود إلى بك أبه الشحنة ببغداد فبايع له، وحضر الناس البيعة، وحضر بيعته أحد وعشرون رجلًا من أولاد الخلفاء.