سار عمادُ الدين أتابك زنكي بن آقسنقر إلى بعلبك، فحَصَرَها ثمَّ مَلَكَها؛ وسبَبُ ذلك أنَّ مَحمودًا صاحِبَ دِمشقَ لَمَّا قُتِلَ كانت والدتُه زمرد خاتون عند أتابك زنكي بحَلَب، قد تزوَّجَها، فوَجَدت لقَتلِ وَلَدِها وَجْدًا شديدًا، وحَزِنَت عليه، وأرسلت إلى زنكي وهو بديارِ الجزيرة تُعَرِّفُه الحادثةَ، وتَطلُبُ منه أن يَقصِدَ دمشقَ ويطلُبَ بثأر ولدها. فلمَّا وقف على هذه الرِّسالةِ بادر في الحالِ مِن غيرِ توقُّفٍ ولا تَرَيُّث، وسار مُجِدًّا ليجعلَ ذلك طريقًا إلى مِلْكِ البلد، وعبَرَ الفرات عازمًا على قَصدِ دِمشقَ، فاحتاط مَن بها، واستعدُّوا، واستكثروا مِن الذخائرِ، ولم يتركوا شيئًا مِمَّا يحتاجون إليه إلَّا وبذلوا الجُهدَ في تحصيلِه، وأقاموا ينتَظِرونَ وصولَه إليهم، فتَرَكهم وسار إلى بعلبك، فوصلَ إليها في العشرين من ذي الحِجَّة من السَّنة فنازلها في عساكِرِه، وضَيَّقَ عليها، وجَدَّ في محاربتِها، ونَصَب عليها من المنجنيقاتِ أربعة عشر عددًا ترمي ليلًا ونهارًا، فأشرف مَن بها على الهلاك، وطلبوا الأمانَ، وسَلَّموا إليه المدينة، وبَقِيَت القلعةُ وبها جماعةٌ مِن شُجعانِ الأتراك، فقاتلهم، فلما أَيِسوا مِن مُعينٍ ونَصيرٍ طلبوا الأمانَ فأمَّنَهم، فسَلَّموا القلعة إليه، فلما نزلوا منها ومَلَكَها غَدَرَ بهم وأمَرَ بصَلبِهم فصُلِبوا ولم ينجُ منهم إلَّا القليلُ، فاستقبَحَ النَّاسُ ذلك مِن فِعْلِه واستعظَموه وخافه غيرُهم وحَذِروه، ولا سيَّما أهلُ دمشق؛ فإنَّهم قالوا: لو مَلَكَنا لفَعَل بنا مِثلَ فِعْلِه بهؤلاء؛ فازدادوا نفورًا وجِدًّا في محاربتِه، ولَمَّا ملك زنكي بعلبك أخذَ الجاريةَ التي كانت لمُعين الدين أنر، فتزوَّجَها بحَلَب.