لَمَّا قُتِلَ عِمادُ الدين زنكي أخذَ نورُ الدين محمود ولَدُه خاتَمَه مِن يَدِه، وكان حاضِرًا معه، وسار إلى حَلَب فمَلَكَها، وكان حينئذٍ يتوَلَّى ديوانَ زنكي، ويحكُمُ في دولتِه مِن أصحابِ العمائِمِ جَمالُ الدين محمَّدُ بنُ علي وهو المنفَرِدُ بالحكم، ومعه أمير حاجِب صلاح الدين محمد الياغيسياني، فاتَّفَقا على حِفظِ الدولة، وكان مع الشَّهيدِ أتابك المَلِكُ ألب أرسلان بن السُّلطان محمود، فرَكِبَ ذلك اليومَ، وأجمعت العساكِرُ عليه، وحَضَرَ عنده جمالُ الدين وصلاح الدين، وأدخلاه الرقَّة، فبَقِيَ فيها أيامًا لا يَظهَرُ، ثم سار إلى ماكسين، فدخَلَها، وأقام بها أيامًا، وجمالُ الدين يُحَلِّفُ الأمراءَ لِسَيفِ الدين غازي بن أتابك زنكي، ويُسَيِّرُهم إلى المَوصِل، ثمَّ سار من ماكسين إلى سنجار، فاجتمَعَ أكابِرُ الدولة، وفيهم الوزيرُ جمال الدين محمَّد الأصبهاني، المعروفُ بالجواد، والقاضي كمالُ الدين أبو الفضل محمد بن الشهروزي, وقَصَدوا خيمةَ ألب أرسلان، وقالوا له: كان عِمادُ الدين زنكي غُلامَك ونحن غِلمانُك، والبِلادُ لك، وطَمَّنوا الناسَ بهذا الكلامِ, ثمَّ إنَّ العَسكَرَ افتَرَق فِرقَتَين: فطائفةٌ منهم توجَّهت بصُحبة نور الدين محمودِ بنِ عماد الدين زنكي إلى الشَّام، والطائفة الثانيةُ سارت مع ألب أرسلان وعساكِرِ الموصِلِ وديار ربيعة إلى المَوصِل، فلمَّا انتهوا إلى سنجار تخيَّلَ ألب أرسلان منهم الغَدْرَ فتَرَكَهم وهَرَب، فلَحِقَه بعضُ العَسكَرِ ورَدُّوه، فلمَّا وصلوا إلى المَوصِل وصَلَهم سيفُ الدين غازي، وكان مُقيمًا بشهرزور؛ لأنَّها كانت إقطاعَه مِن جِهةِ السُّلطان مسعود السلجوقي، مَلِك المَوصِل وما كان لأبيه من ديار ربيعة، وترتَّبَت أحوالُه، وأخذ أخوه نورُ الدين محمود حَلَب وما والاها مِن بلادِ الشَّامِ، ولم تكُنْ دمشقُ يومئذٍ لهم.