كان الغُزُّ الأَتراكُ (التُّركمانُ) قد أَقاموا بمَدينةِ بَلخ واستَوطَنُوها، وتَرَكوا النَّهْبَ والقَتْلَ ببلادِ خُراسان، واتَّفَقَت الكَلمةُ بها على طاعَةِ السُّلطانِ خاقان محمود بن أرسلان، وكان المُتَوَلِّي لِأُمورِ دَولتِه المُؤيَّدُ أي أبه -أحد مماليك سنجر- وعن رَأيِه يَصدُر محمودٌ، فلمَّا كان هذه السَّنةَ في شعبان، سار الغُزُّ من بَلخ إلى مَرو، وكان السُّلطانُ محمود بسرخس في العَساكرِ، فسار المُؤيَّد أي أبه بطائِفَةٍ من العَسكرِ إليهم، فأَوقعَ بطائفةٍ منهم، وظَفَرَ بهم، ولم يَزَل يَتْبَعُهم إلى أن دَخَلوا إلى مَرو أَوائلَ رمضان وغَنِمَ من أَموالِهم، وقَتلَ كَثيرًا وعاد إلى سرخس، فاتَّفَقَ هو والسُّلطانُ محمودٌ على قَصْدِ الغُزِّ وقِتالِهم، فجَمَعَا العَساكرَ وحَشَدَا، وسارَا إلى الغُزِّ، فالتَقوا سادسَ شَوَّال من هذه السَّنَةِ، وجَرَت بينهم حَربٌ طالَ مَداها، فبقوا يَقتَتِلون من يَومِ الاثنينِ تاسِعَ شَوَّال إلى نِصفِ اللَّيلِ من لَيلةِ الأَربعاءِ الحادي عشر من الشهرِ، تَواقَعوا عِدَّةَ وَقَعات مُتَتَابِعَة، ولم يكُن بينهم راحةٌ، ولا نُزولٌ، إلا لِمَا لا بُدَّ منه؛ انهَزَمَ الغُزُّ فيها ثلاثَ دَفعاتٍ، وعادوا إلى الحَربِ. فلمَّا أَسفرَ الصُّبحُ يومَ الأَربعاءِ انكَشَفَت الحَربُ عن هَزيمةِ عَسكرِ خُراسان وتَفَرُّقِهِم في البلادِ، وظَفَرَ الغُزُّ بهم، وقَتَلوا فأَكثَروا فيهم، وأمَّا الأَسرَى والجَرحَى فأَكثرُ من ذلك.