أراد جماعةٌ مِن شيعة العُبَيديين ومحبِّيهم إقامةَ الدعوة، ورَدَّها إلى العاضد، فكان منهم عمارةُ بنُ أبي الحسن اليمني، وعبدُ الصمد الكاتب، والقاضي العويرس، والقاضي هبة الله بن كامل، وداعي الدُّعاة ابن عبد القوي، وغيرُهم من جند المصريِّين ورجالتهم السُّودان، وحاشيةُ القصر، ووافَقَهم جماعةٌ من أمراءِ صلاح الدين، وعَيَّنوا الخليفةَ والوزير، وتقاسَموا الدُّورَ، واتَّفَق رأيُهم على استدعاء الفرنجِ مِن صقليَّةَ، ومِن ساحِلِ الشامِ إلى ديارِ مِصرَ على شيءٍ بذلوه لهم من المالِ والبلاد، فإذا قصدوا البلادَ، فإن خرج صلاحُ الدين إليهم بنَفسِه ثاروا هم بالقاهرةِ ومِصرَ وأعادوا الدولةَ الفاطميَّةَ، وعاد مَن معه من العسكر الذين وافَقوهم عنه، فلا يبقى له مقامٌ مقابِلَ الفرنج، وإن كان صلاحُ الدين يقيمُ ويُرسِلُ العساكِرَ إليهم ثاروا به، وأخذوه أخذًا باليَدِ؛ لعدم وجود الناصرِ له والمُساعد، وأرسلوا إلى الفرنجِ بصقليَّةَ والساحِلِ في ذلك، وتقرَّرَت القاعدة بينهم، ولم يبقَ إلَّا رحيلُ الفرنج، وكان مِن لُطفِ الله بالمُسلِمينَ أنَّ الجماعةَ المصريين أدخلوا معهم في هذا الأمرِ الأميرَ زينَ الدين علي بن نجا الواعظ، المعروف بابن نجيَّة، ورتبوا الخليفةَ والوزيرَ والحاجِبَ والداعيَ والقاضيَ، إلَّا أن بني رزيك قالوا: "يكونُ الوزيرُ منا؛ وبني شاور قالوا: يكون الوزيرُ منا؛ فلمَّا علم ابن نجا الحالَ حضر عند صلاح الدين، وأعلَمَه حقيقةَ الأمر، فأمر بملازمتِهم ومخالَطتِهم ومُواطأتِهم على ما يريدونَ أن يفعلوه، وتعريفه ما يتجَدَّدُ أولًا بأول، ففعل ذلك وصار يُطالِعُه بكُلِّ ما عَزَموا عليه"، ثمَّ وصلَ رَسولٌ مِن ملك الفِرنجِ بالساحل الشاميِّ إلى صلاح الدين بهديَّةٍ ورسالةٍ، وهو في الظاهِرِ إليه، والباطِنِ إلى أولئك الجماعةِ، وكان يُرسِلُ إليهم بعضَ النصارى وتأتيه رسُلُهم، فأتى الخبَرُ إلى صلاح الدين من بلاد الفرنجِ بجليةِ الحال، فوضع صلاحُ الدينِ على الرسولِ بعضَ من يثقُ به من النصارى، وداخَلَه، فأخبره الرسولُ بالخبر على حقيقتِه، فقبض حينئذٍ على المُقَدَّمينَ في هذه الحادثة منهم: عمارة، وعبد الصمد، والعويرس، وغيرهم، وصَلَبَهم في ثاني رمضانَ.