تجهَّز الحلبيُّون لقتال صلاح الدين، فاستدعى صلاحُ الدين عساكر مصر، فلما وافته بدمشقَ في شعبان سار في أوَّل رمضان، فلَقِيَهم في عاشر شوال، وكانت بينهما وقعةٌ تأخَّرَ فيها السلطان سيف الدين غازي بن نور الدين محمود صاحِبُ الموصل، فظَنَّ الناس أنَّها هزيمة، فولَّت عساكرهم، وتَبِعَهم صلاح الدين، فهلك منهم جماعةٌ كثيرة، وملك خيمةَ غازي، وأسر عالَمًا عظيمًا، واحتوى على أموالٍ وذخائر وفُرُش وأطعمة وتُحَف تجلُّ عن الوصفِ، وقَدِمَ عليه أخوه الملك المعظم شمس الدولة توران شاه بن أيوب من اليمن، فأعطاه سرادقَ السلطان غازي بما فيه من الفُرُش والآلات، وفَرَّق الإسطبلات والخزائِنَ على مَن معه، وخلع على الأسرى وأطلَقَهم، ولحِقَ سيف الدين غازي بمن معه، فالتجؤوا جميعًا لحلب، ثم سار إلى الموصل وهو لا يُصَدِّقُ أنه ينجو، وظنَّ أن صلاح الدين يَعبُرُ الفرات ويقصِدُه بالموصل، ورحل صلاحُ الدين ونزل على حلب في رابع عشر شوال، فأقام عليها إلى تاسِعَ عَشَرِه، ورحل إلى بزاعة، وقاتَلَ أهل الحصنِ حتى تسَلَّمه، وسار إلى منبج، فنزل عليها يوم الخميس رابع عشرٍ منه.