هو السُّلطانُ شِهابُ الدين أبو المظفَّر محمَّد بن سام الغوري، مَلِكُ غزنة وبعض خراسان. كان ملكًا شجاعًا غازيًا، عادلًا حَسَنَ السيرة، يحكُمُ بما يوجِبُه الشرع، يُنصِفُ الضعيفَ والمظلوم، وكان يَحضُرُ عنده العُلَماءُ. لما مات أخوه السلطان غياث الدين، قَبَضَ شهاب الدين على جماعةٍ مِن خواصِّ أخيه وأتباعه وصادرهم. قُتِلَ شهاب الدين بعد عودته من لهاوور، بمنزلٍ يقال له دميل، وقتَ صلاة العشاء، وكان سبَبُ قتله أن نفرًا من الكُفَّار الكوكرية لَزِموا عسكره عازمينَ على قتله، كما فعَلَ بهم من القَتلِ والأسر والسَّبيِ، فلما كان هذه الليلة تفَرَّق عنه أصحابُه، وكان معه من الأموالِ ما لا يُحصى، فإنَّه كان عازمًا على قصد الخطا والاستكثار مِن العساكِرِ، وتفريق المال فيهم، وكان على نيَّةٍ جيدة من قتال الكُفَّار، وبقي وحده في خركاه، فثار أولئك النفر، فقَتَل أحَدُهم بعضَ الحُرَّاس بباب سرادق شهاب الدين، فلما قَتَلوه صاح، فثار أصحابُه من حول السرادق لينظُروا ما بصاحِبِهم، فأخلَوا مواقِفَهم، وكَثُرَ الزحام، فاغتَنَم الكوكرية غفلَتَهم عن الحفظ، فدخلوا على شهابِ الدين وهو في الخركاه، فضَرَبوه بالسكاكين اثنتين وعشرين ضربةً فقتلوه، فدخل عليه أصحابُه، فوجدوه على مصلَّاه قتيلًا وهو ساجِدٌ، فأخذوا أولئك الكُفَّار فقتلوهم، وقيل: إنما قتَلَه الإسماعيليَّةُ؛ لأنهم خافوا خروجه إلى خراسان، فلمَّا قُتِلَ اجتمع الأمراء عند وزيره مؤيد الملك بن خوجا سجستان، فتحالَفوا على حِفظِ الخزانة والملك، ولزوم السَّكينة إلى أن يظهَرَ من يتولاه، وتقَدَّمَ الوزير إلى أمير داذ العسكر بإقامةِ السياسة، وضَبط العسكر. وصيَّروا السلطان في محفَّة، وحَفُّوها بالجسم والصناجق يوهمون أنه حيٌّ, وكانت الخزانةُ على ألفين ومائتي جَمَل، وساروا إلى أن وصلوا إلى كرمان، وكاد يتخَطَّفُهم أهلُ تلك النواحي، فخرج إليهم الأميرُ تاج الدين ألدز، فجاء ونزل وقَبَّل الأرض، وكَشَف المحَّفة، فلما رأى السلطان ميتًا، شَقَّ ثيابه وبكى، وبكى الأمراءُ وكان يومًا مشهودًا. وكان ألدز من أكبَرِ مماليكه وأجَلِّهم، فلمَّا قُتِلَ شهاب الدين طَمِعَ أن يَملِكَ غزنة، وحُمِل السلطان إلى غزنة، فدُفِن في التربة التي أنشأها.