فتح جلال الدين بن خوارزم شاه مدينة تفليس من الكرج في ثامن ربيع الأول، وقد كانت الحرب بينه وبينهم من السنة الماضية، وقد انهزموا منه، ثم عاد إلى تبريز بسبب الخلاف الواقع فيها، فلما استقرَّ الأمر في أذربيجان عاد إلى بلد الكرج هذه السنة، فقصد بلادَهم، وقد عادوا فحشدوا وجمعوا من الأمم المجاورة لهم اللان واللكز وقفجاق وغيرهم، فاجتمعوا في جمعٍ كثير لا يحصى، فطمعوا بذلك، فلَقِيَهم وجعل لهم الكمينَ في عدة مواضع، والتَقَوا واقتَتَلوا، فولى الكرج منهزمين وأخذتهم سيوفُ المسلمين من كل جانبٍ، فلم ينجُ منهم إلا اليسيرُ الشاذُّ الذي لا يعبأ به، وأمر جلال الدين عسكَرَه ألَّا يُبقوا على أحدٍ، وأن يقتلوا من وجدوا، فتبعوا المنهزمين يقتلونهم، وأشار عليه أصحابُه بقصد تفليس دار مُلكِهم، فقال: لا حاجة لنا إلى أن نقتُلَ رجالَنا تحت الأسوار، إنَّما إذا أفنيت الكرج أخذت البلاد صفوًا عفوًا، ولم تزل العساكرُ تَتبَعُهم وتستقصي في طلبِهم إلى أن كادوا يفنونَهم، فحينئذ قصد تفليس ونزل بالقرب منها، وسار في بعض الأيامِ في طائفة من العسكر، وقصدها لينظُرَ إليها، ويبصر مواضِعَ النزول عليها، وكيف يقاتِلُها، فلما قاربها كمن أكثرُ العسكر الذي معه في عدة مواضع، ثم تقدَّم إليها في نحو ثلاثة آلاف فارس، فلمَّا رآه من بها من الكرج طَمِعوا فيه لقِلَّةِ من معه، ولم يعلموا بمن معه، فظهروا إليه فقاتلوه، فتأخر عنهم، فقويَ طَمَعُهم فيه لقِلَّةِ من معه، فظنُّوه منهزمًا، فتبعوه، فلما توسطوا العساكِرَ خرجوا عليهم ووضعوا السيف فيهم، فقُتِل أكثَرُهم، وانهزم الباقون إلى المدينة فدخلوها، وتبعهم المسلمون، فلمَّا وصلوا إليها نادى المسلمون من أهلها بشعار الإسلام، وباسمِ جلال الدين، فألقى الكرج بأيديهم واستسلموا؛ لأنهم كانوا قد قتل رجالهم في الوقعات السابقة، فقل عددُهم، وملئت قلوبُهم خوفًا ورعبًا، فملك المسلمون البلد عَنوةً وقهرًا بغير أمان، وقُتِلَ كلُّ من فيه من الكرج، ولم يبق على كبير ولا صغير إلا من أذعن بالإسلام، وأقرَّ بكلمتي الشهادة، فإنَّه أبقى عليه، وأمرهم فتختَّنوا وتركهم، ونهب المسلمون الأموال، وسَبَوا النساء واستَرَقُّوا الأولاد، ووصل إلى المسلمين الذين بها بعض الأذى من قتلٍ ونهب وغيره، وتفليس هذه من أحصَنِ البلاد وأمنعها، وهي على جانبي نهر الكر، وهو نهر كبير، ولقد جلَّ هذا الفتح وعظُمَ مَوقِعُه في بلاد الإسلامِ وعند المسلمين؛ فإنَّ الكرجَ كانوا قد استطالوا عليهم، وفعلوا بهم ما أرادوا، فكانوا يقصِدونَ أيَّ بلاد أذربيجان أرادوا، فلا يمنَعُهم عنها مانع، ولا يدفَعُهم عنها دافعٌ.