خرج كثيرٌ من الفرنج من بلادهم، التي هي في الغرب من صقلية وما وراءها من البلاد، إلى بلادهم التي بالشام: عكا وصور وغيرهما من ساحل الشام، فكثُرَ جمعهم، وكان قد خرج قبل هؤلاء جمع آخر أيضًا إلا أنهم لم تمكِنْهم الحركة والشروع في أمر الحرب؛ لأجل أنَّ مَلِكَهم الذي هو المقدَّم عليهم هو ملك الألمان، ولأنَّ الملك المعظم عيسى بن العادل صاحب دمشق كان حيًّا، وكان شهمًا شجاعًا مقدامًا، فلما توفي المعظم، وولي بعده ابنُه وملك دمشق، طمع الفرنج، وظهروا من عكا وصور وبيروت إلى مدينة صيدا، وكانت مناصفة بينهم وبين المسلمين، وسورها خراب، فعمروها، واستولوا عليها، وإنما تمَّ لهم ذلك بسبب تخريب الحصون القريبة منها؛ تبنين وهونين وغيرهما، فعظمت شوكة الفرنج، وقوي طمعُهم.