هي شجرةُ الدر الصالحيَّة بنت عبد الله أم خليل التركيَّة، ذاتُ حُسنٍ وظرف ودهاء وعقل، ونالت من العِزِّ والجاه ما لم تنَلْه امرأة في عصرها، كانت جاريةً اشتراها الملك الصالح نجم الدين أيوب، وحَظِيَت عنده بمكانةٍ كبيرة، وكانت أمَّ ولدٍ عنده؛ فقد ولدت منه خليلًا، من أحسن الصور، فمات صغيرًا، وكانت تكونُ في خدمة الملك الصالحِ لا تفارقه حضرًا ولا سفرًا من شدة محبته لها, فأعتَقَها وتزوَّجَها. وكانت تقومُ بتدبير شؤون الدولة في أثناء مرض زوجِها، فلما تُوفى الملك الصالح بدمياط في أثناء حربه مع الإفرنج سنة 647 كتمت خبَرَ موته، وأرسلت إلى ابنه توران شاه ليتولى أمورَ الملك من بعده، إلَّا أن توران شاه هدَّدها، وطالبها بأموال الملك الصالح، فدبَّرت لقَتلِه، وبعد مقتَلِه اجتمعت الآراء على توليتها السلطنة في صفر سنة 648, وكان مماليك الصالح يخضعون لها، فمَلَّكوها بعد قتل المعظَّم توران شاه ثمانين يومًا، وكان المعِزُّ لا يقطع أمرًا دونها، ولها عليه صولةٌ، وكانت جريئةً وَقِحة، قتَلَت وزيرَها الأسعَدَ، وكانت تحجُر على الملك المعز، فأنِفَ من ذلك, ولما بَلَغَها عزمُ المعز الزواجَ مِن بنت بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل قتَلَتْه, ولما توفِّيَ لم يصَدِّقْ مماليك عز الدين بأنه توفي بغير سببٍ، وقام الأمير علم الدين سنجر الغتمي - وهو يومئذٍ شَوكةُ البحرية وشديدُهم- وبادر هو والمماليك إلى الدور السلطانية، وقبضوا على الخُدَّام والحريم وعاقبوهم، فأقَرُّوا بأن شجرة الدر أمرت مماليكَها بقتله، وعند ذلك قبضوا على شجرةِ الدر، ومحسن الجوجري، وناصر الدين حلاوة، وصدر الباز، وفر العزيزي إلى الشام، فأراد مماليكُ المعز قَتْلَ شجرة الدر، فحماها الصالحيَّة، ونُقِلَت إلى البرج الأحمر بالقلعة، ثم لما أقيم ابنُ المعز في السلطنة، حُمِلَت شجرةُ الدر إلى أمِّه في اليومِ السابع عشر، فضرَبَها الجواري بالقباقيبِ إلى أن ماتَت، وألقوها من سور القلعة إلى الخندقِ، وليس عليها سراويل وقميص، فبَقِيَت في الخندق أيامًا، ثم دفنت بعد أيام - وقد نتنت، وحُمِلَت في قفة- بتربتها قريب المشهد النفيسي، وكانت من قُوَّةِ نَفسِها، لما عَلِمَت أنها قد أحيطَ بها، أتلفت شيئًا كثيرًا من الجواهِرِ واللآلئ، كسَّرَته في الهاون، وقد قيل إنه لما سمع مماليك عز الدين أيبك بخبر وفاته أقبلوا بصحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز، فقتلوها وألقوها على مزبلةٍ غيرَ مستورةِ العورةِ.