أرسل الملك الغاشم هولاكو خان إلى المَلِك الناصر صاحِبِ دمشق يستدعيه إليه، فأرسل إليه ولَدَه العزيز وهو صغيرٌ ومعه هدايا كثيرةٌ وتُحَف، فلم يحتَفِلْ به هولاكو خان بل غضب على أبيه إذ لم يُقبِلْ إليه، وأخذ ابنُه، وقال: أنا أسير إلى بلاده بنفسي، فانزعج الناصِرُ لذلك، وبعث بحريمِه وأهله إلى الكرك ليحَصِّنَهم بها وخاف أهلُ دمشق خوفًا شديدًا، ولا سيما لما بلغهم أن التتار قد قطعوا الفرات، فسافر كثيرٌ منهم إلى مصر في زمن الشتاء، فمات ناسٌ كثير منهم ونُهبوا، ثم رجع العزيزُ بن الملك الناصر من عند هولاكو، وعلى يده كتابُه ونصه: الذي يعلمُ به الملك الناصر صاحب حلب أنا نحن قد فتحنا بغدادَ بسيف الله تعالى، وقتَلْنا فُرسانَها وهَدَمْنا بُنيانَها وأسَرْنا سكانها، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}، واستحضرنا خليفتَها وسألناه عن كلماتٍ فكذب، فواقعه الندمُ واستوجب منا العَدَم، وكان قد جمع ذخائرَ نفيسة، وكانت نفسُه خسيسة فجمع المال ولم يعبأ بالرِّجال، وكان قد نمى ذكرُه وعظُمَ قدره، ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال، إذا وقفت على كتابي هذا، فسارع برجالِك وأموالِك وفرسانك إلى طاعةِ سلطان الأرض شاهنشاه روي زمين، تأمن شرَّه وتنل خيرَه، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} ولا تعوِّقْ رُسُلَنا عندك كما عوَّقْت رسلَنا من قبل، فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ، وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا بأموالِهم وحريمهم إلى كروان سراي فإن كانوا في الجبالِ نسفناها، وإن كانوا في الأرضِ خسفناها، فانزعج الناصِرُ, وبعث عندما بلغه توجه هولاكو نحو الشام بالصاحِبِ كمال الدين عمر بن العديم إلى مصر، يستنجِدُ بعَسكَرِها.