بعد أن تمَّ تنصيبُ العادل سلامش في الملك لم يكنْ له من الأمر شيءٌ، بل كل شيء من حَلٍّ وعَقدٍ بيد قلاوون الألفي فشرع الأمير قلاوون في القبض على الأمراء الظاهريَّة، فقبض على أعيانِهم وبعث بهم إلى الثغور فسُجِنوا بها، وأمسك أيضًا كثيرًا من الظاهريَّة وملأ الحبوسَ بهم، وأعطى قلاوونُ ومنع وقطع، ووصل واستخدم وعزل، فكان صورتُه أتابك وتصَرُّفُه تصرُّفَ الملوك، وانفرد قلاوون بالمملكة وأجَدَّ في تدبر أحواله وفَرَّق على المماليك واستمالهم، وقرَّبَ الصالحية وأعطاهم الإقطاعات، وسَيَّرَ عدة منهم إلى البلاد الشاميَّة واستنابهم في القلاع، وتتَبَّع ذراريَّهم وأخذ كثيرًا منهم كانوا قد تصَنَّفوا بالصنائع والحرف، فرتَّبَ طائفة منهم في البحرية، وقررَ لجماعة منهم جامكية –رواتب- وقوِيَ بهم جانبه وتمكَّنَت أسبابه، ثم جمع قلاوون الأمراء في العشرين من رجب وتحَدَّث معهم في صغر سن الملك العادِلِ، وقال لهم: قد علمتُم أن المملكة لا تقومُ إلا برجلٍ كامل، إلى أن اتفقوا على خلع سلامش فخلعوه، وبعَثوا به إلى الكرك وكانت مُدَّة مُلكِه مائة يوم، ولم يكن حَظُّه من المُلك سوى الاسم فقط، وجميعُ الأمور إلى الأتابك قلاوون، وقع الاتفاق على خلع العادل وإقامة قلاوون، فأُجلِسَ قلاوون على تخت المُلك في يوم الأحد العشرين من رجب، وحلَفَ له الأمراءُ وأرباب الدولة، وتلَقَّب بالملك المنصور، وأمر أن يُكتَبَ في صدر المناشير والتواقيع والمكاتبات لفظُ الصالحي، فكُتِبَ بذلك في كل ما يكتب عن السلطان، وجعل عن يمين البسملة تحتها بشيء لطيف جدًّا، وخرج البريد بالبشائر إلى الأعمال، وجُهِّزَت نسخة اليمين إلى دمشق وغيرها، وزُيِّنَت القاهرة ومصر وظواهِرُهما وقلعة الجبل، وأقيمت له الخطبةُ بأعمال مصر، ويُذكَرُ أن قلاوون هذا هو السابع من ملوك الترك بالديار المصريَّة، والرابع ممن مَسَّه الرِّقُّ.