في سادس ذي الحجة توجَّه الأميرُ عَلَم الدين سنجر المسروري المعروف بالخياط متولي القاهرة، والأميرُ عز الدين الكوراني، إلى غزوِ بلاد النوبة، وجرَّدَ السلطانُ قلاوون معهما طائفةً مِن أجناد الولايات بالوجهِ القبلي والقراغلامية، وكتب إلى الأمير عز الدين أيدمر السيفي السلاح دار متولِّي قوص أن يسيرَ معهما بعُدَّته ومن عنده من المماليك السلطانية المركزين بالأعمال القوصيَّة، وأجناد مركز قوص، وعُربان الإقليم: وهم أولاد أبي بكر وأولاد عمر، وأولاد شيبان وأولاد الكنز وبني هلال، وغيرهم، فسار الخياط في البَرِّ الغربي بنصف العسكرِ، وسار أيدمر بالنصفِ الثاني من البر الشرقي، وهو الجانبُ الذي فيه مدينُة دنقلة، فلما وصل العسكرُ أطرافَ بلاد النوبة أخلى ملك النوبةِ سمامون البلادَ، وكان صاحِبَ مكرٍ ودهاء، وعنده بأس، وأرسل سمامون إلى نائبه بجزائر ميكائيل وعمل الدو واسمه جريس، ويُعرف صاحب هذه الولاية عند النوبة بصاحب الجبل، يأمره بإخلاء البلادِ التي تحت يده أمامَ الجيش الزاحف، فكانوا يرحلونَ والعسكَرُ وراءهم منزلةً بمنزلة، حتى وصلوا إلى مَلِك النوبة بدنقلة، فخرجَ سمامون وقاتلَ الأمير عز الدين أيدمر قتالًا شديدًا، فانهزم ملكُ النوبة وقُتِلَ كثيرٌ ممن معه، واستشهد عدَّةٌ من المسلمين، فتبع العسكَرُ مَلِكَ النوبةِ مَسيرةَ خَمسةَ عَشَر يومًا من رواءِ دنقلة إلى أن أدركوا جريس وأسروه، وأسَرُوا أيضًا ابنَ خالة الملك، وكان من عظمائِهم، فرتَّبَ الأميرُ عِزُّ الدين في مملكة النوبةِ ابنَ أختِ الملك، وجعل جريس نائبًا عنه، وجرَّد معهما عسكرًا، وقرَّرَ عليهما قطعةً يَحمِلانها في كلِّ سَنةٍ، ورجع بغنائم كثيرة ما بين رقيق وخيول وجمال وأبقار وأكسية.