هو السلطانُ المَلِكُ المنصورُ سَيفُ الدنيا والدين، أبو المعالي وأبو الفتوح قلاوون بن عبد الله التركي الصالحيُّ النجميُّ الألفي، اشتراه المَلِكُ الصالحُ نجم الدين أيوب بألفي دينار، ولهذا يقالُ له الألفي, وكان من أكابِرِ الأمراء عنده وبعدَه، كان ملكًا عظيمًا حَسَنَ الصورة مَهيبًا، عليه أبَّهةُ السلطنة ومهابة المُلك، تامَّ القامة حَسَنَ اللِّحيةِ عاليَ الهِمَّة شجاعًا وقورًا, وكان لا يحِبُّ سَفكَ الدماء، إلَّا أنه كان يحِبُّ جمع الأموال، ولَمَّا تزوَّج الملكُ السعيد بن الظاهر بابنة قلاوون غازية خاتون، عظُمَ شأنُه جِدًّا عند الظاهر، وما زال يترفَّعُ في الدولة حتى صار أتابكَ سلامش بن الظاهر، ثم عزله واستقَلَّ بالملك في سنة أربع وثمانين. فأمسَكَ قلاوون بجماعةٍ مِن أمراء ظاهرية، واستعمل مماليكَه على نيابة البلاد. كسر التتارَ سنة ثمانين، ونازل حصنَ المرقب, وفتح طرابلسَ سنة ثمان وثمانين، وعزم على فتح عكَّا وبرز إليها فعاجَلَته المنيَّةُ, ودفن بتربته بمدرسته العظيمةِ التي أنشأها بين القصرين، والتي ليس بديارِ مِصرَ ولا بالشَّامِ مِثلُها. وفيها دارُ حديث والمارستان المنصوري. وعليها أوقافٌ دارَّة كثيرة عظيمة، مات عن قريبٍ من ستين سنة، وكانت مدَّة ملكه اثنتي عشرة سنة، وقد أبقى اللهُ تعالى الملكَ في بنيه ومماليكِه وبني بنيه إلى أواخِرِ القرن الثامن الهجري, وبعد وفاته جلس ابنُه وولي العَهدَ الملِكُ الأشرف صلاح الدين خليل على تخت الملك بقلعةِ الجبل يوم الأحد سابع ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة.