وقع بديار مصرَ كُلِّها وباءٌ عظيم في القاهرة ومصر، وتزايد حتى كان يموتُ فيهما كل يومٍ ألوف، ويبقي الميِّتُ مطروحًا في الأزقة والشوارع ملقًى في الممرات والقوارع اليوم واليومينِ لا يوجد من يدفِنُه، لاشتغال الأصحَّاء بأمواتِهم، والسُّقَماء بأمراضهم، وقصُرَ مَدُّ النيل فتزايد الغلاءُ واشتَدَّ البلاء، وأجدَبَت بلاد بُرقة أيضًا، وعمَّ الغلاء والقحط ممالِكَ المشرق والمغرب والحجاز، وتزايد موتُ النَّاسِ حتى بلغت عدة من أطلق من الديوان في شهرِ ذي الحجة سبعة عشر ألفًا وخمسمائة، سوى الغُرَباء والفُقَراء وهم أضعاف ذلك، وأكلَ النَّاسُ مِن شدة الجوع جثَثَ الموتى والكلاب والقطاط والحمير، وأكل بعضُهم لحم بعضٍ! وأناف عدَدُ مَن عُرِفَ بموته في كلِّ يوم ألف نفس، سوى من لم يثبُت اسمُه في الديوان، فلما اشتَدَّ الأمرُ فَرَّق السلطانُ الفقراءَ على أربابِ الأموالِ بحَسَبِ حالِهم.